تعرَّضت الرضيعة أماندا، صاحبة الشهور الثلاثة، عام ١٩٧٧، إلى حريق من الدرجة الثالثة؛ ففي غفلة من أبويها سقطت أماندا في “ماء مغلي”، فأصيبت إصابات بالغة في رأسها ووجها، فنقلوها إلى مركز طبي بنيويورك لتلقي العلاج اللازم. وبالفعل نجحوا في إنقاذ حياتها، وقد لعبت الممرضة “سوزان باركر” الدور الأكبر مع أماندا إذ قد تعاملت معها بمهارة مغلَّفة بالحب والحنان، فكانت تأخذها في حضنها كلما اشتدت عليها آلام الحروق، مقدِّمة لها عناية لدائمة، وتنظف جراحاتها. وفي تلك الأثناء التقط أحدهم بعض الصور للممرضة المتميزة وهي تعتني بأماندا، لتبقى ذكرى للرضيعة وأسرتها، بعد أن تعافت تمامًا وخرجت من المستشفى. كما تم استخدام تلك الصور كوسيلة للتعبير عن قيمة وأهمية مهنة التمريض في بعض المستشفيات، رغم أن الممرضة التي في الصورة مجهولة الاسم لدى الكثيرين، لكن ليس عند أماندا.
كبرت الطفلة و ظلت على مدار ٣٨ سنة تبحث عمن أنقذت حياتها، فنشرت صورتهما معًا على وسائل التواصل الاجتماعي قائلة: “هذه صورتي مع ممرضتي عندما كنت طفلة أُعالَج من حروق من الدرجة الثالثة عام ١٩٧٧. حاولت كثيرًا أن أتعرف عليها لكن دون جدوى، فهل تساعدوني، فأنا في شوق أن ألتقي بها، وأتحدث معها.”
وبالفعل تجاوب الكثيرون مع أشواقها، وفي خلال ١٢ ساعة شاهد منشورها ٥٠٠٠ شخص على موقع الفيس بوك، وكان من بينهم زميلة قديمة للممرضة سوزان باركر، فكانت حلقة الوصل بينهما ورتَّبَت للقائهما بعد غياب. لم تصدِّق أماندا ما حدث، لدرجة أنها كانت تردد جملة واحدة “أنت موجودة حقا”! كان اللقاء مثيرًا حقًا؛ فتناولته وسائل الإعلام والصحافة وأبرزت روعة المشاعر، وقيمة الوفاء وحفظ الجميل. ولي هنا ثلاث كلمات:
١- الاحتياج للمحبة والحنان:
إن النقطة الفارقة في حياة الطفلة هو الاحتياج للحضن الدافئ الممتلئ بالمحبة والحنان هذا ما وجدته في الممرضة بالرغم من إنها لا تعرفها. لقد عطفت عليها، وتعاملت معها، بناءً على واجبها الوظيفي، ودافعها الإنساني بعيدًا عن أي دافع آخر.
وهذا ما نفتقده في هذه الأيام. لذا دعونا نتعلم من الحنّان الأعظم الرب يسوع. فكم من مرَّة تحنَّن على من حوله، فنراه يتحنن على (الرجل) الأبرص «فَتَحَنَّن يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَال لَهُ: أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!» (مرقس١: ٤١)، وتحنن على (المرأة) أرملة نايين التي فقدت ابنها الوحيد: «فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا، وَقَال لها: لاَ تَبْكِي» (لوقا٧: ١٣)، وتحنن على الجموع: «فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ أبصر جمعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ» (متى١٤: ١٤).
يا ليت الرب يزرع في قلوبنا المحبة والحنان تجاه الكثيرين من حولنا.
٢- تذكر الرحمة والإحسان
لم تنسَ أماندا الإحسان العظيم الذي فعلته الممرضة معها، وعاشت مديونة لها، وباحثة عنها بطول الزمان، لكي تشكرها على رحمتها وإحسانها وإنقاذها.
عزيزي: لقد أعلن المسيح: «إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً» (متى١٢: ٧) - وهذا لا يقلل من أهمية تقديم ذبائحنا وعبادتنا للرب، لكن الرب يطلب منا أن نكون رحماء «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى٥: ٧). كما إنه يريدنا أن نذكر أكبر وأروع إحسان قدَّمه لنا، إذ رحمنا وخلَّصنا، لذا يقول: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بكَ وَرَحِمَكَ» (متى٥: ١٩). لقد أمتدح الرب الأبرص الذي جاء ليشكره بعد أن طهَّره معترفًا بجميله وإحسانه له (لوقا١٧: ١٣-١٩).
فهل تذكر عمل الرب لأجلك ومحبته الباذلة والمضحّية، هل تخبر بإحسانات الرب لك ولا تنساها؟ «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مزمور١٠٣: ٢).
٣- إكرام بالرغم من مرور الزمان
على مدار ٣٨ عام، ما بين إنقاذ الممرضة للصغيرة أماندا وحتى اللقاء بينهما، صارت صورة الممرضة أيقونة العمل الصحي والتمريضي في كثير من المستشفيات، فالكثيرون رأوا صورتها، لكنهم لا يعرفون أسمها، إلا الطفلة التي تحمل الكثير من الوفاء. قد عُرِفَت قصة الممرضة سوزان، فتم تكريمها خاصة أن التوقيت كان يصادف وقت تقاعدها، فكان أفضل تكريم لها، فما صنعته في الخفاء، صار معلنًا للجميع.
صديقي: ربما أكرمت الرب كثيرًا في جوانب خفية في حياتك ولم تلقَ تقديرًا من الآخرين، دعني أذكِّرك بقول السيد: «لأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِاسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (مرقس٩: ٤١)، فهو وعد قائلاً «فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ» (١صموئيل٢: ٣٠). فالمدح والإكرام منه لا سواه: «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متى٢٥: ٢١).
صلاة:
سيدي الغالي المسيح..
لقد أتيت لي بالحب، ولما تهت لاقتني الأحضان... فأنت عالم بجبلتي إنني “مجرد إنسان”... بل كنت في عينيك كلؤلؤة غالية الأثمان... فمُتَّ بدلاً عني وضمنت لي معك نصيب في أحلى مكان... فساعدني كي أعيش لك طول الزمان... مشتاقًا للقائك أيها الفادي الحنّان.