الهجرة الشرعية وغير الشرعية
تتوق الناس للهجرة من بلادها إلى بلاد أخرى سعيـًا وراء لقمة العيش أو لتحسين الدخل أو هربًا من ظروف قاسية من ناحية المعيشة أو الناحية الأمنية. ولكن الهجرة لها ضوابطها وقوانينها الدولية؛ فمن يريد الهجرة من بلد إلى آخر عليه أخذ تأشيرة للدخول من سفارة البلد التي يريد الهجرة إليها.
وبالتالي انقسم الناس إلى فريقين في تعاملهم مع فكرة الهجرة؛ فبعضهم يهاجر هجرة شرعية، والبعض الآخر هجرة غير شرعية. وإليك عزيزي القارئ الهجرتين:
الهجرة الشرعية
يسعى المهاجر فيها جاهدًا ليسلك الطرق القانونية مثل جواز السفر وتأشيرة الدخول إلى البلد التي يهاجر إليها وكل الأوراق المطلوبة. وبالنسبة للمؤمن لا بد أن يأخذ المشورة الإلهية أولاً، أو بلغة السفر والهجرة يأخذ أولاً تأشيرة السماء.
والكتاب المقدس مليء بالقصص التي تؤيد الهجرة الشرعية التي لا تتحرك إلا بأمر الرب، على سبيل المثال: أول وأشهر مُهاجر هجرة شرعية، بأمر الرب، هو إبراهيم أبو المؤمنين «وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: "اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً"» (تكوين١٢: ١-٢). وهنا نلاحظ أن الرب عندما يعطي تأشيرة الهجرة يعطي معها ضمان بالبركة. وقصص كثيرة من كلمة الله عن عائلات هاجروا هجرة شرعية بأمر الرب على سبيل المثال لا الحصر:
يعقوب «فَكَلَّمَ اللهُ إِسْرَائِيلَ فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَقَالَ: “يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ!”. فَقَالَ: “هأَنَذَا”. فَقَالَ: “أَنَا اللهُ، إِلهُ أَبِيكَ. لاَ تَخَفْ مِنَ النُّزُولِ إِلَى مِصْرَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ. أَنَا أَنْزِلُ مَعَكَ إِلَى مِصْرَ”» (تكوين٤٦: ٢ ٤). لاحظ الكلمات الآتية في النص: “لا تخف - أجعلك أمة عظيمة - أنا أنزل معك”. ما أروع هذه الضمانات!
الشونمية: «وَكَلَّمَ أَلِيشَعُ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا قَائِلاً: “قُومِي وَانْطَلِقِي أَنْتِ وَبَيْتُكِ وَتَغَرَّبِي حَيْثُمَا تَتَغَرَّبِي، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَا بِجُوعٍ فَيَأْتِي أَيْضًا عَلَى الأَرْضِ سَبْعَ سِنِينٍ”. قَامَتِ الْمَرْأَةُ وَفَعَلَتْ حَسَبَ كَلاَمِ رَجُلِ اللهِ، وَانْطَلَقَتْ هِيَ وَبَيْتُهَا وَتَغَرَّبَتْ فِي أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَ سِنِينٍ» (٢ملوك٨: ١ ٢).
أكبر هجرة شرعية: هي هجرة شعب الله من أرض مصر إلى أرض كنعان وهذه بأمر الرب.
وأجلّها هجرة الرب يسوع وهو طفل صغير مع يوسف ومريم إلى مصر.
الهجرة غير الشرعية
وهذه الهجرة في منتهى الخطورة؛ فإذا دخل إنسان بلد ما بطريق غير مباشر أو غير قانوني وهو ما يسمى “الهجرة غير الشرعية” وضُبِطَ على الحدود؛ فلا بد أن يُتَخَذ معه كافة الإجراءات. وأحيانًا يؤدي الأمر إلى فقدان الحياة. والخطر الأكبر عندما تكون الهجرة ليست أفرادًا بل عائلات. كما رأينا أكثر من حادثة تناقلتها وكالات الأنباء وأشهرها الحادثة الأخيرة التي حدثت في بلادنا بغرق مركب في البحر المتوسط بكل من فيها ومعظمهم عائلات.
وهذا ليس بجديد، فيذكر لنا الكتاب المقدس عن قصص مأساوية لعائلات قررت الهجرة غير الشرعية، وكانت مأساتهم يندى لها الجبين. ونذكر على سبيل المثال أيضـًا بعض الأمثلة:
عائلة لوط: قصة مأساوية من القصص الأسرية التي فكَّرت في الهجرة غير الشرعية، فقد كانت هذه الأسرة تتمتع برغدة العيش والاستقرار الأمني والأسري، ولكن رب الأسرة، عندما راودته أحلام الهجرة إلى بلد آخر، رأى أن الحياة هناك أفضل من بلاده؛ فشدّ ترحاله ومعه أسرته وكل ما يملك، وذهب إلى تلك البلاد. ولكنه لم يضع في الحسبان ثقافة هذه البلاد إنهم يصيرون الحرية فرصة للجسد، لدرجة أن هذه البلاد تمارس أنجس أنواع الرزيلة مثل الشذوذ، وتضرب بكل القيم والمُثُل عرض الحائط. ونظرًا لممتلكات هذا الرجل الكثيرة، لم يحاسَب من أحد، بل على العكس رحبوا به في هذا البلد، لدرجة أنه أخذ منصبًا سياسيـًا فيها، وكبرت بناته فتزوجن من أهل تلك البلد، إلا الصغيرتين اللتين كانتا لم تتزوجا بعد. ولكن كان الشر يستفحل في هذه البلاد يومًا بعد يوم، فأنذرهم الله إنذارًا شديدًا بأن أهاج عليهم قوات تحالف من أربع دول مجاورة وخرجوا من المعركة خاسرين بأخذ نساءهم أسرى وممتلكاتهم غنائم، ولكن الرب حررهم بأن أرسل إليهم إبراهيم على رأس جيش من قوات تحالف أيضًا، وبذلك حرَّر لوطًا من الأسر. ولكن رجع لوط وسكن في سدوم بلد الهجرة، ولم يتّعظ ولم يأخذ إعتبارًا لنفسه، بل استمر هناك في هذه الهجرة غير الشرعية، والتي لم تكن تتفق مع فكر الله. قرر الله القضاء التام على سدوم وعمورة وكل مدن الدائرة، بسبب شرهم، وذلك بأن أمطر عليها عاصفة كبريتية مشتعلة، فأحرقت الكل ولم ينج من هذا الحريق إلا لوط وابنتاه اللتان لم تتزوجا، وخسر كل شيء زوجته وبناته المتزوجات وممتلكاته، ولم يخرج من سدوم إلا بثقافة سدوم النجسة، حتى عندما ذهب إلى الجبل ليختبئ هناك هو وابنتيه سقتاه خمرًا ومارستا معه الرزيلة بحجة إقامة نسل لأبيهما، ومنهما خرج شعبي موآب وبني عمون.
عائلة نعمي وأليمالك: هذه قصة مأساوية أخرى، فقد هاجرت هذه العائلة دون أخذ تأشيرة من الرب، وذلك بحثًا عن لقمة العيش. وتغربت في بلاد موآب الذين يعبدون كموش الإله الذي يقدّمون له أطفالهم محرقات. وهناك فقدت نعمي زوجها، وبعدها فقدت ولديها، ورجعت قائلة «لِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِي، وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟» (راعوث١: ٢١).
هذه هي الهجرة غير الشرعية.
عزيزي القارئ إذا كنت تفكر في الهجرة فمن فضلك كن حريصًا أنه لا بد أن تأخذ تأشيرة من السماء قبل تأشيرة من سفارة الدولة التي تريد الهجرة إليها، وأحذر من الطرق الملتوية في الهجرة غير الشرعية.
والرب يباركك