٣. لا تتعدى حقوق الغير
نِصفَ الوصايا على الأقل تتعامل مع حقوق الغير. فعندما يقول «لا تسرق» فهو يمنعك من التعدي على ملكية الغير، وليس بأخذها فقط بل أيضًا بالقول «لا تشتهِ». أنها تقدس حياة الغير بكلمة «لا تقتل»، وكرامة الغير بألا «تشهد على قريبك بالزور». أما في العهد الجديد فالمستوى أعلى؛ إنه يوصينا أن نعطي الغير ونحبهم ونضيفهم ولا نسيء إليهم ولا أدنى إساءة.
ملك شرير اسمه آخأب (١ملوك٢١) يملك الكثير، وله جار بسيط اسمه نابوت اليزرعيلي يملك حقل عنب لا يُقارَن بممتلكات آخاب. نفاجأ بأن متعة آخاب كانت أن يمتلك حقل نابوت متعدَيًا حقوق نابوت. وفي سبيل ذلك ارتكب فظائع وصلت لحد القتل.
لقد حقَّق متعته، لكنه لم يهنأ بها إلا القليل جدًا. اسمع ما قيل له عن فم الرب: «هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟... فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ... قَدْ بِعْتَ نَفْسَكَ لِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ شَرًّا، وَأُبِيدُ نَسْلَكَ... لأَجْلِ الإِغَاظَةِ الَّتِي أَغَظْتَنِي، وَلِجَعْلِكَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ».
لنتأكد أن متعتنا لا تقوم على اغتصاب حق الآخر، أو أهانته والتقليل من شأنه، ولا إزعاجه ومضايقته أو أذيته هو أو ممتلكاته.
٤. لا تُستعبد
قد تتحول المتعة إلى عبودية، حتى إن كانت متعة بريئة في حد ذاتها؛ فهناك من أفرط في الطعام إلى حد التخمة بل والموت، وهناك من زاد في الألعاب الإلكترونية أو الإنترنت إلى حد الإدمان. إن تحوَّلت المتعة إلى رغبة محمومة لا أستطيع مقاومتها ولا يمكنني أن أقول لها “لا” فقد أصبحت عبودية. وإن صارت تتحكم في مواعيدي وعاداتي وعلاقاتي وكلماتي وأفكاري وأحلامي..، فقد أصبحت سلسلة تربطني، والسلسلة مهما كان طولها هي عبودية. لقد دفع المسيح ثمنًا كريمًا ليحرِّرك؛ فلماذا تبقى في عبودية؟! انهض وانفض أي سلاسل عنك؟
عندما يجتمع الكل
المشكلة أن العوامل الأربعة السابقة لا تأتي فرادى، بل كثيرًا تأتي مجتمعة. في خطية داود الشهيرة مثلٌ لذلك.
فهو لم يلتفت إلى الوصية الصريحة «لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ»، فكان أن تعدي الوصية «لا تزن» وسقط في عصيان الوصية «لا تقتل»!!
ثم إنه انشغل عن هدف الحياة. أليس هو ملك الشعب المسؤول عنه في السلم والحرب؟! فما بالنا نجده نائمًا إلى منتصف النهار في قصره والجيش يحارب حروب الرب؟!
وعن انتهاكه لحقوق غيره فالحديث يطول. لقد تعدى حقَّ أوريا الحثي في امرأته، بل تعدى حقه في الحياة ذاتها!!
أخيرًا وليس آخرًا، رغبته المحمومة استعبدته ونفت كل منطق من عقله، فلم يسمع لقول عبيده أن بثشبع زوجة رجل، ولا أفاقته أخبار الحرب، ولا موقف أوريا الشريف.
علينا إذَا أن نلتفت إلى متعتنا ونختبرها في ضوء المعايير المذكورة. فالله يريد متعتنا، لكنه لا يريد لها أن تطوَّح بنا بعيدًا عنه ولا أن تسقطنا في شرور لا قِبَلَ لنا بها.
أخيرًا أِترك معك ما قيل عن موسى: «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (عبرانيين١١: ٢٤-٢٦).
وهنيئًا لمن كان هذا مبدأه.