مَثَل عالمي يتردَّد في لغات مختلفة.
ومن الجدير بنا أن نلتفت إليه اليوم في عالم طَغَت فيه المجادلات. فأصبح من المعتاد أن تجد نقاشات يُصِرّ كلٌّ فيها على رأيه، فتعلو نبرة الصوت وتزداد حدته. تجد ذلك في البيت والمدرسة والعمل، وللأسف في الكنيسة! القِ نظرة على الفيسبوك لترى كم أصبح الناس يحبُّون طرح موضوعات للنقاش لمجرد النقاش، ولترى كم أن كل واحد يرى في نفسه الكفاءة للقَطع في أي موضوع. الكل صاروا علماء في كل شيء، في الرياضة والعلوم، في السياسة والكتاب. ولعلك توافقني أن هذا غير منطقي.
اسمع مصدر هذا المثل من أقوال سليمان الحكيم «لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ (تصير مثله) أَنْتَ» (أمثال٢٦: ٤). إنه ينصحك بألا تتدنى لتصير مثل هذا الجاهل. فكثيرًا ما تتطور المناقشة فتجد نفسك تتحدث بنفس طريقته ونبرته وتهوره؛ فتُحسَب مثله.
ثم إنه ينبغي ألا تنساق لمجادلة لا تجد نفع فيها. هذا ما يقوله بولس لتلميذيه الأعزاء «وَأَمَّا الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ (المسائل السخيفة)، وَالأَنْسَابُ، وَالْخُصُومَاتُ، وَالْمُنَازَعَاتُ النَّامُوسِيةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَبَاطِلَةٌ» (تيطس٣: ٩)، ولماذا تضيِّع وقتك وجهدك في ما لا نفع له، ومع من لا يريد المعرفة بل مجرد إثبات الذات؟ ويضيف في رسالة تيموثاوس الثانية٢: ٢٣، ٢٤ «عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ»، وهذا أمر ينبغي أن نلتفت إليه بشدة. إن كل ما يسبب نزاعات وخصومات نحن مدعوون لتجنبه، فليس من سمات أتباع المسيح.
في العدد التالي لما سبق ذكره من أقوال الحكيم يقول «جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ» (أمثال٢٦: ٥)، فهل في هذا تعارض؟! بالطبع لا. إنه في الأولى يضع مبدأً عامًا ألا تجيب الذي يحب المجادلات للمجادلات لعدم نفع ذلك، يتكلم عن الطريقة، لكن في الثانية فهو يدعوك إذا كان الأمر يتعلق بالحق الذي تعرفه، لأن تضع الحق في نصابه أمام عيني الجاهل لئلا يظن أنه حكيمًا. يدعوك لأن تتكلم بهدوء وإقناع بالحجة والأدلة الكتابية، وفي نفس الوقت بمنتهى الهدوء والاحترام.
وجدير بالذكر أنه إذا سؤلنا من واحد يريد فعلاً أن يعرف فيجب أن نكون «مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ (بلطف واحترام)» (١بطرس٣: ١٥).