بصلة المحب خروف

مثل مصري شهير يُقال للتعلية من شأن المحبة في العلاقات؛ فالـ”بصلة“ وهي من أرخص مكونات أي وجبة، إذا قُدِّمت بالمحبة فهي في عيني متلقيها كما لو كانت ”خروف“ كالذي يقدَّم في الولائم الكبيرة.

والحكيم في سفر الأمثال سبق وأقر هذا المبدأ حين قال «أَكْلَةٌ مِنَ الْبُقُولِ حَيْثُ تَكُونُ الْمَحَبَّةُ، خَيْرٌ مِنْ ثَوْرٍ مَعْلُوفٍ وَمَعَهُ بُغْضَةٌ» (أمثال١٥: ١٦-١٧؛ انظر أيضًا أمثال١٧: ١). فليس المهم ماذا تعطيني، بل كيف تعطيني وبأي قلب تتعامل معي. والحقيقة أننا نحتاج لأن نستمع لهذا المبدأ جيدًا في عالم طغت فيه النظرة المادية وأصبح الناس يقيِّمون الأمور بشكلها وقيمتها المادية. زمن انعكست فيه الأمور فأصبح الناس يقيمون المحبة بالهدية لا الهدية بالمحبة وصارت ”الأشياء“ أغلى من ”الأشخاص“ وقلوبهم!!

سيبقى احتياج الإنسان الحقيقي للمحبة لا للعطايا، لقلبٍ محب يقدِّم ولو ابتسامة بمحبة، أكثر من الكثير بغيرها. سيبقى المبدأ أنه «إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا» (نشيد٨: ٧).

وأول ما أعطاه الله لنا كان هو المحبة، وبالمحبة سعى لتسديد احتياجنا «اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية٥: ٨). إنه لم يعطنا ”بصلة“ لكنه أعطانا كل شيء، بل أعطانا نفسه، ولا تفسير لعطائه إلا المحبة؛ فلم يكن مُلزَمًا، ولا كنا نستحق، لكنه محبة. ولا زال يغدق الحب علينا ويحاصرنا بمحبته (٢كورنثوس٥: ١٤). وسيبقى، لكل جائع للحب الحقيقي، هو نبع الارتواء. فهل تتوق إلى مثل هذا الحب؟! هيا إليه فتشبع وترتوي من الحب الصادق!

والناس حولنا يحتاجون لمحبة حقيقية أكثر من العطايا والهدايا؛ فهل يجدوها فينا؟! دعني أعود للاقتباس السابق من سفر الأمثال وأقرأ لك العدد السابق له: «اَلْقَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ الرَّبِّ، خَيْرٌ مِنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مَعَ هَمٍّ». هل أدركت معي الآن مفتاح المحبة الحقيقية للآخرين؟ إنه إعطاء الرب كرامته وتقديره والأولوية في الحياة، يومها سنقدِّم للآخرين، حتى القليل، بالحب فيغنيهم. يمدح الرسول بولس كنائس مكدونية على عطائهم السخي رغم فقرهم، ثم يعطينا الدافع وراء ذلك أنهم «أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ» (٢كورنثوس٨: ١-٥).

نأتي للرب؛ فنرتوي بالحب.. نُسبى بالحب؛ فنقدِّم له الولاء.. فنعطي الحب للآخرين.. ونعود لنرتوي من حبه من جديد.. وهكذا تستمر الدائرة.

كم أناسٌ يطلبونَ ابتسامًا لا ذهبْ

ونفوسٌ في انحناءٍ تحتَ وطأةِ التعبْ

تحتاجُ كلمة تخفِّفُ الآلام

  

كذا محبةٌ، وليسَ للملام

أنت إن أعطيتَ حبًّا، تنفتح كوى السماءْ

كي تفيضَ بهباتٍ ضِعفَ أضعافِ العطاءْ

فالربُ قاطعٌ وعدًا للأسخياءْ

بالخيرِ يَغمُرُ والخصبِ والنماءْ