أقدمت شركة الخطوط الجوية الملكية الهولندية KLM على تجربة اجتماعية فريدة من نوعها للمسافرين عبر مطار أمستردام الدولي في إحدى ليالِ عيد الميلاد. كان الهدف من تلك التجربة هو إيجاد وسيلة يمكن من خلالها تواصل المسافرين بعضهم نحو بعض، رغم احتمالية وجود اختلافات في الثقافات والعادات واللغات والجنس وغير ذلك، مما يصعب إمكانية التواصل.
فأقامت الشركة مائدة عشاء مجانية - تكفي لحوالي ٢٠ شخصًا - في منتصف صالة الانتظار الرئيسية بالمطار، وأعلنت عنها في جميع أركان المطار، لتسهِّل إمكانية الوصول إليها لمن يريد. كانت المائدة معلَّقة عاليًا بطريقة ما، بحيث إنها تنزل تدريجيا بمجرد جلوس أحد المسافرين على الكراسي الملحقة بها، حتى اكتمال شغل كل الكراسي تكون المائدة على مستوى الجالسين عليها، وقتها يبدأ طاقم الضيافة في تقديم وجبة عشاء شهية مجانية من الخطوط الجوية الهولندية. كانت المفاجأة للمسؤولين، إنه بالرغم من مجانية الدعوة، ومحدودية المدعوين، وكثرة الدعاية والإعلان عنها في كل أرجاء المطار، إلا إنهم أخذوا وقتًا طويًلا حتى تجمَّع العدد واكتمل، إذ أنقسم المسافرين بين الشك واليقين والرفض وعدم الاهتمام، وقليلون هم من لبَّوا الدعوة وصدقوها، فذهبوا بيقين وثقة استنادًا على مصداقية شركة جوية محترمة لها شأنها بين شركات الطيران.
استوقفتني كثيرًا التجربة، وتذكرت عشاءًا أبهى وأعظم وهو عشاء عرس ابن الملك، الذي رواه الرب يسوع المسيح في متى٢٢. لذا دعني أشاركك بهذه الأفكار:
دعوة عشاء بالمجان
وجَّهت شركة الطيران دعوة عشاءها مجانًا للجميع ومن دون أي شروط بالرغم من الاختلافات الكثيرة بين المسافرين في واحد من أكبر مطارات العالم. وهذا تمامًا ما فعله الملك (الله الأب) عندما أرسل عبيده موجِّهًا دعوته لمن يريد أن يحضر عرس ابنه (الرب يسوع المسيح)، لكن للأسف لم تلقَ الدعوة قبولًا لهؤلاء المدعوين إذ إنهم: «لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُو... لكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ» (متى٢٢: ٥). فأرسل أيضًا عبيدًا آخرين وقدَّم دعوته للجميع مجانًا من دون أي قيد أو شرط «فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ. فَخَرَجَ أُولئِكَ الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَارًا وَصَالِحِينَ» (متى٢٢: ٩-١٠). فالرب ما زال يدعوا الجميع ليشبعوا به وبعمله كالخروف المذبوح على عود الصليب لإنقاذهم من مرارة وعبودية الخطية.
فهل تسرع يا عزيزي وتقبل بالإيمان هذه الدعوة المجانية، فالمسيح ”قد أكمل“ العمل والفداء على الصليب حتى لا تتكلف أنت شيئًا؛ فالخلاص من القصاص مجاني، والتبرير بالنعمة مجاني وكل العطايا مجانية: «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ الله» (رومية٣: ٢٤-٢٥). وما أجمل القول «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس٢: ٨ ٩).
يوجد لك مكان
بالرغم من أن الدعوة كانت لجميع من هم في مطار أمستردام، من دون قيد أو شرط، إلا أن شركة KLM قد حدَّدت عددًا لهذا العشاء المجاني (٢٠ كرسيًا فقط)، لكن الرب يدعو الجميع ويرحب بالجميع، لقد وجّه الرب يسوع دعوة راحة للجميع من دون أي تحديد للعدد أو الهوية: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ« (متى١١: ٢٨)، وأيضًا: «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ» (إشعياء٤٥: ٢٢).
فإن كانت دعوة KLM هي دعوة عامة، لكن دعوة الرب يسوع المسيح الملك هي دعوة شخصية جدًا، ليس دعوة لمجرد عشاء وقتي، لكنها دعوة لتضمن مكان معه إلى أبد الآبدين معه في السماء فهو الذي أكد قائلاً «وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا« (يوحنا٦: ٣٧).
كفاية الدعوة والإعلان
يوجّه الله دعوته للجميع بمنتهى الحب واللطف، فهو لا يقدِّم دعوته بجفاء بل بحب وكرم وسخاء، لقد أعلنت الخطوط الملكية عن دعوة عشائها للمسافريين داخل مطار أمستردام فقط، أما دعوة المسيح فهي عامة، وللكل في جميع أنحاء المسكونة. فالله بيَّن محبَّته للعالم أجمع، وقمة إعلان المحبة أظهره بموت المسيح النيابي على عود الصليب لأجلنا. كما إنه يعلن عن محبته بصور عديدة ومختلفة سواء بالفضائيات، وسائل الأعلام، الكتب الروحية، الكنائس والاجتماعات، الظروف المحيطة... إن دعوته دائمًا مصحوبة بالمحبة، والرحمة، والاستعداد للغفران. فهو لا يكتفي بدعوتك فقط لعشائه، لكنه يقرع على باب قلبك «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا٣: ٢٠). فهل تقبل دعوته الشخصية لك فتحظى بغفرانه، محبته وسلامه وتبدأ علاقة حقيقية معه وتضمن مكانًا لك في الأبدية؟
صديقي إننا لا زلنا في زمن نعمة الفادي، وها هي أجراسها البديعة تدقّ وتنادي استعداد لأروع وأجمل عشاء أبدي، ليت قلبك أيضًا يتجاوب معها ويرق:
اسمع الدعوةَ أسرع للفرح |
| يوجدُ لكَ مكان |
وتعالَ يا صديقي تسترِح |
| يوجدُ لكَ مكان |
صاحبُ العرسِ تكلَّف |
| كلَ شيءٍ، جِئ لتعرف |
المحبةُ أعدَّت ما لا يوصف |
| يوجدُ لكَ مكان |
صلاة:
سيدي الغالي يسوع
كنت أسير في درب شروري حيران ... فدعوتني بدعوة الحب والحنان
إذ صُلبت عني لتمنحني الحرية والغفران ... فبموتك النيابي ضمنت لي المكان
فشكرًا لك لأجل نعمة الإيمان ... فإني مدين لك يا صاحب الإحسان
ساعدني أعيش مكرسًا لك بطول الزمان ...
شاهدًا برحمتك وغفرانك لكل إنسان