لا زال المعلِّم يقدِّم لنا البيانات العملية للحياة المسيحية الصحيحة، والتي يجب أن تظهر في كل من آمن بالرب يسوع، الذي مات وقام ليعطينا هذه الحياة. ومن الدروس العملية التي فعلها يسوع قبل أن يُعلِّم بها هو:
العطاء
فهيا نتأمل في المعلم وبيانه العملي «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (٢كورنثوس٨: ٩). أيضا «فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال٢٠: ٣٥).
العطاء وما هو:
١- هو من أجزاء العبادة الهامة. فالعبادة ليست فقط ترانيم وصلوات تتكرر وجماعات على الكنائس تتردد، ولا أفراد تشترك في أنشطة وخدمات كنسية.
٢- وهو ليس جزية أو ضريبة يدفعها الناس. فعندما كتب الرسول بولس عن مبدإ العطاء لم يكتب على سبيل الأمر، أو كطقس، أو فرض. بل كتب أولاً عن أعظم مثال في العطاء ثم كتب عن العطاء وما هو وكيف يكون (إقرأ ٢كورنثوس٨، ٩).
٣- وهو عكس الطمع الذي يتساوى مع الشرور الأدبية التي تخرج من قلب الانسان. والطمع أيضًا من الأشياء المملوء بها الانسان «مملوئين من كل إثم وزنا وشر وطمع وخبث» (رومية١: ٢٩).
صفات العطية والعاطي:
أشار الرسول إلى صفات عديدة للعطاء، فلنتأملها أولاً في الرب يسوع الذي علَّم الدنيا العطاء عندما أعطى نفسه أولاً.
١- العطاء بفرح وسرور: مكتوب عن الرب «من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي» (عبرانيين١٢: ٢). وقال لتلاميذه «يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم» (يوحنا١٥: ١١).
٢- وبسخاء: «يعطي الجميع بسخاء ولا يعير» (يعقوب١: ٥)، ومن مثله سخي في العطاء وكريم في التوزيع.
٣– ومن تلقاء النفس: لم يكن تحت ضغط أو إلزام أو إرغام لكي يعطي. فعندما أعطى وقدم نفسه على الصليب قال «لي سلطان أن أضعها» (يوحنا١٠: ١٨).
٤– وهو نعمة: ومن سواه جاء مملوء نعمة، وبظهوره ظهرت نعمة الله المخلّصة لجميع الناس.
٥– وخدمة: وهو السيد المستحق أن يخدمه الجميع كعبيد، قال عن نفسه «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى٢٠: ٢٨).
٦– وحسب المساواة: يا للعجب، مساواة لمن وبمن؟! إقرأ وتأمل في هذا. فعن الآب «لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين» (رومية٨: ٢٩). وعن الإبن يقول «وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد» (يوحنا١٧: ٢٢).
٧– وبركة: وأي بركات صارت لنا نتيجة عمله على الصليب! إنها كل بركة روحية في السماويات.
٨– وزرع: هو الزارع الذي خرج ليزرع. وكم تألم وهو يزرع «الذاهب ذهابا بالبكاء حاملا مبذر الزرع» (مزمور١٢٦: ٦)، وهو أيضًا حبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت لتأتي بثمر كثير.
٩– وذبيحة: المسيح لم يقدِّم ذبائح حيوانية كباقي الناس، بل قدَّم نفسه ذبيحة كما يقول الكتاب «ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلي الأقداس فوجد فداءً أبديًا» (عبرانيين٩: ١٢).
هذا ما فعله يسوع قبل أن يعلِّم به. وكل من أعطى نفسه أولاً للرب ليس صعبًا عليه أن يعطي. يعطي لا لكي يأخذ، بل لأنه أخذ. يعطي وعطاياه تحمل الصفات التي رأيناها حالاً في الرب يسوع كأعظم مثال في العطاء.
مثال بين المؤمنين:
يسجِّل لنا الكتاب عينات من مؤمنين تمثلوا بالرب، نذكر منهم:
١– كجماعة نرى كنائس مكدونية: فبرغم فقرهم وظروفهم الاقتصادية الصعبة، أعطوا حتى ازداد فقرهم بسبب سخائهم. فقد كان عطائهم بفرح، ومن تلقاء أنفسهم، وفوق طاقتهم، وبالبركات، وبسخاء، مقدرين أن ما يفعلونه هو نعمة، وخدمة، وذبيحة.
٢– وكأفراد نشير فقط لرجل وإمرأة. فالأول وهو زكا الذي أعطى نفسه أولاً للرب، وقف وقال «ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين» (لوقا١٩: ٨). والثانية هي المرأة (ضعيفة) الأرملة (وحيدة) الفقيرة (كتابيًا تستحق العطاء). ولكن ماذا قال الرب عنها: أنها ألقت من أعوازها – وليس الفائض منها – كل ما عندها – وليس العشور – كل معيشتها – ولم تعمل حساب للغد!
أخي القارئ: قبل أن تجتهد في تقديم عشورك أو عطاياك، دعني أسألك: هل أعطيت نفسك للرب؟ هل قبلته بالإيمان وأخذت عطية الحياة الأبدية منه؟ إن لم تكن متأكدًا من ذلك، أقول لك: ”وفر فلوسك“ فالحياة الأبدية لا تُشترى. وإن كنت مؤمنًا حقيقيًا، هل تعلَّمت المسيح في أمر العطاء؟ هل رأيت كيف قدم زكا نسبة ٥٠٪ للفقراء والمساكين، وكيف قدمت الأرملة نسبة ١٠٠٪ من ممتلكاتها؟
العطاء في المسيحية: أولاً موضوع العشور كان قبل الناموس، فقد قدمها إبراهيم لملكي صادق (تكوين١٤: ٢٠). وإن حسبنا ما يقدَّم تحت الناموس نجده يتعدي ٢٠٪. أما في العهد الجديد، فنحن وما نملك ملك للرب الذي اشترانا، وهذا هو التكريس.