ما هو كنزك الحقيقي؟

ما هو ثمين في نظرك وتقديرك، حتمًا سيستحوذ على مشاعرك وتفكيرك، وهذا بالطبع ينطبق على الأشياء والأشخاص، الأعمال والآمال. هذه الحقيقة تتوافق مع المبدإ الذهبي الذي أقره الرب يسوع: «حَيثُ يكونُ كنزُكَ هناكَ يكونُ قَلبُكَ أيضًا» (‭‬‮متى٦: ٢١). وما له مكانته في قلوبنا من المؤكد سيكون له الصدارة في قائمة أولوياتنا وتأثيره على جوانب الحياة الأخرى، فنجد أنه كما يشغل حيزًا كبيرًا من أحاديثنا، وتصطبغ بألوانه كل توجهاتنا وأهدافنا، وتتشكل تصرفاتنا وأخلاقياتنا بقوة تأثيره. لا عجب إن كانت كل مواردنا ومواهبنا تُستَثمَر لحساب ما هو في أعيننا ثمين ونفيس. ويمكن للمؤمن أن يصرح كما يشاء في صلواته الجهارية وترانيمه وهتافاته أن الرب هو الغالي في حياته، وأن عمل الرب ومجد الرب هما موضوع مشغوليته، لكن إن لم يظهر ذلك في كل جوانب الحياة مثل أحاديثه مع الآخرين وسلوكه وأولوياته وأوجه استخدام مواهبه وموارده وأوقاته وطاقاته؛ فهذه التصريحات لا تتعدى كونها ادعاءات، قد يكون دافعها الرغبة في الظهور بقامة روحية عالية تحقِّق إشباعًا نفسيًّا لحظيًا، أو تكون ناتجة عن تأثير وقتي دون أن يكون لها أساس عميق في الداخل. دعونا نأخذ جولة سريعة نتأمل مواقف مختلفة لبعض الشخصيات من الكتاب المقدس وزنوا كل شيء بموازين ومقاييس الله، فكشفت مواقفهم وأفعالهم عن كنزهم الحقيقي.‬‬‬‬

١- التبعية اليومية: المسيح أغلى من أي مكاسب وإنجازات.

كان الرب يسوع يعلِّم عند البحر، فرأى لاوي العشار. لاوي هو متى، الذي كتب فيما بعد أحد الاناجيل الأربعة، مع أنه كان يهوديًّا لكن بوظيفة رومانية يجمع الضرائب للحكومة الرومانية المكروهة لدى اليهود! لم يكن هؤلاء العشارين أمناء ولم يكونوا محبوبين من الشعب. أمّا لاوي، فعندما سمع دعوة المسيح، ترك كلّ شيء وتبعه، الأمر الذي صار له بمثابة ربح أبديّ لا يُقارَن بكل مكاسب ومغانم الزمان. طاعته الفورية غير المتردِّدة التي قد تبدو في هذا الوقت تضحية عظيمة، لكنّها في الأبدية لا تُرى أنّها تضحية بالمرة. كما قال المرسَل الأمريكي جِم إيليوت: ”ليس غبيًّا من يعطي ما لا يمكن أن يحتفظ به، لكي يربح ما لا يمكن أن يخسره“. أي ربح يضاهي ربح المسيح وأي شرف كشرف تبعية السيد العظيم!

٢-تكريس الحياة للمسيح أثمن من الذات وأي امتيازات.

كان في تقدير بولس أنه لا قيمة لامتيازاته الموروثة والدينية أو الشخصية إزاء فضل معرفة المسيح ربًّا ومخَلِصًا. عرف أن الكل سراب لا قيمة له لما افتقدته نعمة الله وأظهر الرب يسوع ذاته له؛ فعرف حقيقة نفسه، وحقيقة ما ظنّه امتيازًا، عرف أنه خسارة من أجل المسيح. الآن عرف المسيح الممجَّد المدفوع إليه كل سلطان، عرف أنه شخص حي يُحَب ويُخدَم ويُطاع، ولأجل اسمه يُقبل العار والهوان والاضطهاد وترخص الحياة نفسها. قال جي كنج: ”كلّ ربح مالي، وكلّ ربح مادي، وكلّ ربح جسدي، وكلّ ربح ثقافي، وكلّ ربح أدبي، وكلّ ربح ديني؛ هذه جميعها ليست ربحًا على الإطلاق، مقارنة مع الربح العظيم (ربح المسيح)“.

٣ــ حمل عار المسيح أفضل من المناصب والملذات.

مع أن موسى تربى في قصر فرعون وشبَّ في البلاط الملكي متنعمًا بكل ما يتلهف إليه الناس في العالم، لكنه بالإيمان سلك بخلاف الميل الإنساني الطبيعي؛ فرفض أولاً بريق الصيت والمنصب كابن ابنة فرعون بالتبني، وربما أيضًا كخليفة لفرعون؛ لكنه كان مدعوًا لإنتساب أعظم ولم يكن يقبل الانحدار من هذا النُبل إلى الملكية المصرية. بالاضافة إلى أنه رفض التمتُّع الوقتي بالخطية في مصر. كان اتحاده مع شعب الله المتألم يعني له أكثر من إشباع رغباته الوقتية. إن امتيازات مشاركته فيما كان يلحق بشعبه من ظلم، كانت مصدر انتعاش وشبع لنفسه أكثر من حياة الترف والخلاعة في بلاط فرعون. أدار ظهره لغنى سيكون من نصيبه إن استمر في مكانه (خزائن مصر)؛ فالإيمان جعله يرى كنوز مصر بلا قيمة في ضوء الأبدية. وهكذا اختار أن يحمل العار الذي سيعاينه المسيح فيما بعد. كان يُقدِّر الولاء لله والمحبة لشعب الله أكثر من كل غنى مصر. وكان يعلم أن هذه الأمور، لا سواها، هي التي لها تقديرها في عيني الله قيمتها الأبدية.

٤- الشهادة عن نعمة الله أغنى من الهدايا والهبات.

في أيام أليشع كان هناك بُرّص كثيرون في إسرائيل، لكن نعمة الله لمعت في تطهير رجل أبرص من الأمم وهو نعمان السرياني رئيس جيش ملك آرام. كان الرجل له نفوذه وثرواته، كان مستعدًا أن يفعل أي شيء ويدفع أي ثمن في سبيل شفائه من هذا الداء العضال المشين. إلى أن سمع خبرًا سارًا من الفتاة التي سباها من اسرائيل. فذهب إلى أليشع وعمل في النهاية بمشورته فَطَهر. اغتسل خضوعًا لكلمة الله، وخرج من الماء إنسانًا جديدًا، بجِلدٍ جديد وقلبٍ جديد. قصة جميلة فيها صورة لإنجيل النعمة. لقد كان نعمان عدوًا لشعب الله، ولكونه أمميًا كان غريبًا عن مواعيد وعهود الله، وليس له أي حق في بركته (أفسس٢: ١١، ١٢). أراد نعمان أن يكافئ أليشع بهدية لكن رجل الله أبى ان يقبل. لماذا؟ هل قبول الهدية فيه شيء من الخطإ؟ كلا، إنما قبول الهدية ربما يجعل هذا الرجل الأممي يظن أنها أجرة شفائه؛ لذا رفض أليشع هدايا نعمان ليعلَم أن تطهيره من البرص هو إحسان إلهي وهبة مجانية لمن لا يستحق. إنها فرصة لاستعراض نعمة الله المجانية، فإن قبل الهدية ربما يشوه تلك الشهادة التي كانت ثمينة في عيني رجل الله أغلى من كل الهدايا والعطايا مهما بلغت قيمتها المادية.

هؤلاء ما إلا عينات من الأمناء الذين كان الرب وتبعيته وخدمته أثمن من أي كنز أو ربح في الوجود. عرفوا كنزهم الحقيقي وأظهروا ذلك بالعمل والحق وليست مجرد إدعاءات. كم نحتاج أن نتعلم من سيرتهم ونحذو حذوهم وننسج على منوالهم، حتى يمكن لكل منا بصدق القلب، بفخر واعتزاز نردِّد ما قاله الرسول بولس «لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (فيلبي١: ٢١).

كل عقلي ليسوع

كل ما لي في الحياة

كل حبي ليسوع

     

وسروري في رضاه

كل قلبي ليسوع

وهو كنزي ورجاي

فافتخاري وعمادي

اسم ربي مشتهاي