يجب أن أذهب


هبَّت عاصفة مُرعدة على المحيط الأطلنطي، مما جعل البحر يقذف بأمواجه العاتية ويزداد هيجانًا بقرب سواحل إنجلترا. وكلما كان الليل يشتد ظلامًا، كانت العاصفة تزداد عنفًا. وكانت هناك سفينة تُصارع الأمواج، وهي تتكسر في منطقة صخرية، وعلى وشك الغرق.

وعلى طول الشاطئ أُشعلت النيران لعلها تُساعد وتهدي مَن هم في حاجة إلى مساعدة. وبالرغم من الظلام واشتداد العاصفة الهوجاء، فقد أُعدَّ قاربًا للنجاة، وذهب الكثيرون تجاه السفينة التي تصارع الأمواج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبالفعل استطاعوا إنقاذ كل مَن كانوا على ظهر السفينة الغارقة ما عدا رجُل واحد.

وعلى الشاطئ كان يقف ”جون هولدن“ الذي صرخ مخاطبًا الرِّجَال: ”هل نجحتم في إنقاذ كل مَن في السفينة؟“ فأجابوا: ”نعم. ما عدا رجُلاً واحدًا!“ فقال لهم: ”ولماذا لم تستطيعوا أن تنقذوه؟“ فأجابوا: ”إن قوتنا قد خارت تمامًا، ولو كنا قد انتظرنا قليلاً لكان البحر قد ابتلعنا“.

تلَّفت ”جون هولدن“ حوله مُخاطبًا مَن معه على الشاطئ: ”مَن يذهب معي لإنقاذ هذا الرَّجُل المسكين الذي يُصارع الأمواج؟“ فتبعه ستة من الرِّجال الأقوياء لركوب قارب النجاة. فما كان من أُمِّهِ، التي كانت تقف بجواره، إلا أن أحاطت عنقه بيديها، وقالت وهي تستعطفه: ”جون.. لا تذهب يا ابني وتخاطر بحياتك، فأبوك قد ابتلعه البحر قديمًا، وأيضًا وليم أخوك ذهب في رحلة بحرية منذ سنتين ولم يعدّ حتى الآن، وقلبي يُحدّثني أن البحر قد ابتلعه هو أيضًا.. جون.. أنت العائل الوحيد لي، وأنا أحتاج إليك، فمَن سيعتني بي لو غرقت في البحر الهائج؟“

وبهدوء ولطف، أجاب ”جون هولدن“: ”يا أمِّي هناك شخص يغرق أمامنا، ويجب أن أذهب لأُنقذه. ولو ابتلعني البحر وغرقت فإن الله سيعتني بكِ. إني أثق أنه سيفعل هكذا، وهو لا يغيب أبدًا“.

ثم قَبَّلَ أُمِّهِ، واتجه نحو قارب النجاة، ومضى يصارع مع الأمواج الثائرة إلى أن وجد حطام السفينة الغارقة، ووجد شخصًا ما زال متعلقًا بحطام السفينة، فأخذه في القارب، ورجعوا بسلام. وعند اقترابهم من الشاطئ، صرخ رجل كان يقف على الشاطئ في انتظارهم، قائلاً: ”هل أتيتم بالشخص المفقود؟“

فأجاب جون هولدن بصوت عال، وبنبرة متهدجة: "لقد أتينا بالرجل سالمًا. أخبروا أُمّي أن هذا الرجل الذي أُنقذَ هو "وليم" أخي“!!

عزيزي: «النَّفْسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ، وَالْمُرْوِي هُوَ أَيْضًا يُرْوَى» (أمثال١١: ٢٥)