بينما كنت في طريقي لحضور أحد الاجتماعات مساء الأحد، أدهشني جمع كبير في الشارع المؤدي إلى الاجتماع، يجلسون في العراء، رغم الصقيع وبرد الشتاء، وذلك لمشاهدة إحدى المباريات، كانوا يشجعون بحرارة وحماس بالغ، ويتجاوبون مع كل لعبة. وصلنا الاجتماع قبل الميعاد تحسّبًا للزحام، فكنت أنا وصديقي الذي أوصلني بسيارته وعائلته من أوائل الحاضرين. مَرَّ الوقت، والحضور هزيل وقليل. بدأنا اجتماعنا ورغم قلة عددنا باركنا الرب، وتمتعنا بحضوره؛ فهو قد وعد أن يحضر وسط اثنين أو ثلاثة يجتمعون إليه، وارتقى بنا جدًا فوق كل ما هو أرضي.
بعد الاجتماع سألتُ: أين الإخوة؟ ألم يخلِّصهم المخلِّص؟ وألم يَفدِهم الفادي؟ ألم يتمتعوا بغفرانه وحبه وحنانه؟ لماذا لم يأتوا؟ وللأسف كان من بين الغائبين أخوة كثيرين معروفين، والعجيب أنه كان من بين الحاضرين ضيوف قد أتوا من بعيد ولأول مرة.. شعرت وقتها بما شعر به الرب عندما «اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: ”يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!“. فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ: ”اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ“. وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: ”أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا ِللهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟“ ثُمَّ قَالَ لَهُ: ”قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ“» (لوقا١٧: ١٢-١٩).
لقد اتفق هؤلاء العشرة في ستة أمور لكنهم اختلفوا في الأمر السابع؛ فهم جميعًا:
(١) بُرص وكذلك جميع البشر «أخطأوا وأعوزهم مجد الله» (رومية٣: ٢٣).
(٢) ووقفوا من بعيد وهذا ما فعلته الخطية في الجميع «آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم» (إشعياء٥٩: ٥).
(٣) كذلك الجميع يترجّون رحمته، بل ويصرخون «ارحمنا».
(٤) والجميع أتوا لشخص واحد لأنه «ليس بأحد غيره الخلاص» (أعمال٤: ١٢).
(٥) والجميع لكي يشفوا سمعوا نفس الأمر: «اذهبوا»، وهذا الأمر يحتاج إلى طاعة وإيمان.
(٦) ثم أن الجميع حصلوا وتمتعوا ببركة الشفاء الجسدي، وكذلك نحن أيضًا فكم من المرات شفانا الرب من أمراضنا...
لكن «وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: ”أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا ِللهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟“» لقد فرح التسعة بشفاء الرب، لكن هذا الأخير تمتَّع بخلاص الرب، عندما التقى بإله الخلاص وقال له: «قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ».
عزيزي، يا من تمتعت بخير الرب وعطائه وشفائه، لماذا لا تأتي إليه لنقدِّم معًا له الشكر الواجب واللائق به؟!
يقينًا نحن نحب الرب ونعبده ونسجد له في بيوتنا، لكن الرب هنا يبحث عن شهود له في هذا العالم، بل وأمام رئيسه إبليس؛ فبذهابنا إلى الاجتماع نشهد أمام العالم بل وأمام مملكة الظلمة أن الرب صالح وطيب، محب ومحسن؛ فإبليس دائمًا يشوِّه صورة الله أمام البشر ليبتعدوا عنه.
إن الرب هنا يبحث عن أحبائه واتقيائه المتغيّبين عن الاجتماع؛ فدعونا نثبت له إننا نحبه أكثر من كل الأشخاص والأشياء، الأفراح والمناسبات، فيوم الرب مخصَّص له وحده، وليس لشيء غيره مهما حلا ومهما غلا، دعونا نبرهن وبصدق عن ما نردده بحناجرنا.
فحبه يجعلني احتقر الدنيا مفضلاً أن أرتقي للراحة العليا
بل وليتنا نطع وصية شيخ أحب الرب بصدق فقال: «يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق» (١يوحنا٣: ١٨).