حكى أحد الخدام هذه القصة:
بينما كنت عائدًا إلى بيتي، حوالي الحادية عشر مساءً، مررت بجانب حانة (خمارة)، وإذا بصوت يناديني باسمي: “فلان، فلان”، فتوجهت ناحية الصوت، ولكني لم أتبين الشخص الذي يناديني. وفجأة اقترب مني وقال لي: أنا “فلان” صديقك، ألا تذكرني. وهنا تذكرته، إنه صديق قديم من أيام المرحلة الثانوية، لقد كنا في فصل واحد بل كنا نجلس معًا على “تختة واحدة”، ولكن تغير صديقي كثيرًا، فوجهه شاحب، وعيناه غائرتان، وجسده نحيل، وكما يقولون “جلد على عظم”، لقد كان أشبه بجثة تمشي على قدمين.
ثم قال لي: كيف حالك يا صديقي؟ لقد اشتقت إليك، هل تذكر أيام الثانوية العامة وكيف كنت تعظني بكلمات وقصص من الإنجيل، كانت كلمات مشجِّعة تغمرني بالسلام، يا لها من أيام! أما الآن فأنا إنسان بائس مُحطّم. لقد فشلت كما تعلم في الثانوية ورُفضت من المدرسة، وُطردت من البيت، والآن أنا لا أفعل شيئًا في حياتي سوى الشر والخطية. ١٣ عامًا أتسكع هنا وهناك بلا عمل وبلا هدف، وصارت الحياة مملة كئيبة بلا طعم. ثم استطرد قائلاً: ما رأيك لو دخلت معي في ناحية من الحانة وكلمتني قليلاً؟ فأنا مشتاق أن اسمع شيئًا منك ومن الإنجيل. فرحبت ودخلت معه، لأن حالته هذه مزقت قلبي تمزيقًا. ثم قال لي: منذ عشر دقائق سمعت صوتًا في داخلي يقول لي: أنا أحبك، أنا مشتاق إليك، وبعدها وجدتك تمر أمام الحانة، فهل من الممكن أن يكون هذا الصوت هو صوت الله؟ وهل يقبلني بعد كل ما فعلت؟ وهل يغفر لي؟ وهل سيسامحني على كل شروري؟ وهل...؟
وبينما أنا كنت أستمع إليه تضرعت إلى الرب وصعدت مني صلاة سريعة لأجله، لكي يعطيني الرب كلامًا مناسبًا لحالته يمس أعماقه، ويشفي نفسه، ويداوي جروحه. فأجبته: نعم يا صديقي، يمكن أن يقبلك، بل هو في شوق شديد إليك. قد نظن نحن أن لقاءنا اليوم هو من باب المصادفة، ولكنها ليست أبدًا مصادفة بل هي ترتيب من الرب. إن الرب يسوع يبحث عنك ويطلبك وهو الذي أرسلني إليك اليوم بالتأكيد. سأذكِّرك بآية أحبها كثيرًا وهي أن «مُخَلِّصِنَا اللهِ، الذي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تيموثاوس٢: ٤). هل تدرك معنى الآية؟ إنها تعني إن الله يريد خلاصنا، ويتمنى عودتنا إليه حتى لو كنا قد بعدنا بعيدًا جدًا. فإذا رجعنا إليه، نجده منتظرًا فاتحًا بابه وأحضانه لنا.
قَبِلَ صديقي ورحَّب بأقوال الله؛ فهو متعطش جدًا لها. وطال الحديث بنا حتى مطلع الفجر. ومع ظهور أول شعاع نور من أشعة الشمس، كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان قد أضاء قلبه. لقد ندم على خطاياه وبكى عليها، وشعر برغبة في التغيير. وجدته يقول لي: “وأنا أيضًا أريد الآن بل وأشتاق أن أذهب إلى كنيسة”. كان التوقيت غير مناسب، فنحن في الخامسة والنصف صباحًا، ولكن أمام تصميمه، ذهبت معه. وطوال الطريق لم تتوقف دموعه من الجريان على وجهه. وصلنا لاجتماع لأعرِّفه على خادم ليصلي معه. تردد في البداية، ولكنه حسم الأمر، وجلس معه. انتظرت في الخارج لمدة ٤٥ دقيقة، وبعدها رأيته يخرج وعلى وجهه علامات الراحة والرضا والسرور، شعرت وكأن قصة الابن الضال ترتسم أمام عيني مرة أخرى.
أعطيته ورقة مكتوب فيها اسمي ورقم تليفوني وعنوان منزلي، حتى يقصدني متى احتاج إليَّ. شكرني وانصرف لحال سبيله، أما أنا فذهبت للبيت، وكان النعاس يداعب جفوني بعد ليلة طويلة مثيرة. وفي الثانية عشر ظهرًا استيقظت على رنين جرس الباب، فتحت لأجد أحد ضباط الشرطة يقول لي: “أنت فلان”. قلت: “نعم”. فقال لي: “هل هذه الورقة تخصك؟” وجدتها نفس الورقة التي أعطيتها لصديقي. وقبل أن أتكلم، استطرد الضابط قائلاً: “لقد وجدناها في جيب شاب صدمته سيارة مسرعة، ولم نجد معه أي بيانات تدلّ على هويته سوى تلك الورقة. صرخت مصدومًا: “وماذا حدث له؟” قال الضابط: “البقية في حياتك”!!
صديقي العزيز وصديقتي العزيزة
لا أود أن أثقلك أو أزعجك لأن الحوادث كثيرة ومتنوعة ومتكررة وكل يوم، لكن أود أن أنبهك لحقائق هامة وهي أن:
(١) «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (١يوحنا١: ٧-٩).
(٢) «ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا١٩: ١٠).
(٣) «هذا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ» (رومية١٣: ١١-١٢).
لقد تاب صاحبنا ورجع إلى الرب في آخر يوم من أيام حياته، غير أنه لم يكن يدري إنه اليوم الأخير. ونحن أيضًا كم نحتاج أن نعود إلى الرب معترفين ومقرّين بخطايانا الآن؛ فمن يدري متى يكون آخر يوم في حياتنا؟
لذلك يقول الكتاب: «هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (٢كورنثوس٦: ٢).
ها يسوع الباب دومًا يقرع
وإليك بالدخول يضرع
فافتح الباب وإلا يرجع
عنك فافتح ليسوع عاجلاً
عاجلا عاجلاً
اغنم الوقت الوحيد المعطى لك
قلبك أفتح ليسوع عاجلاً