كلما إستخدمت باب الشقة التي استأجرتها بمدينة تورنتو بكندا، أسأل نفسي: لماذا توجد ثلاثة عيون سحرية في الباب الرئيسي للشقة، والحاجة عادة إلى عين سحرية واحدة فقط لرؤية من هو الطارق على الباب؟
ازداد الفضول عندي يومًا بعد يوم، لمعرفة لماذا ثلاثة؟ فذهبت للمسؤولة، وسألتها عن سر الـ٣ عيون السحرية التي على باب شقتي. فنظرت إليَّ نظرة تحمل خبرة الأيام وربتت على كتفي قائلةً: “يا بني: كانت تسكن في الشقة قبلك شابة في مقتبل العمر مثلك، ولم تمضِ الأمور على ما يرام إذ أصيبت بهشاشة في العظام، للدرجة التي انحنى فيها ظهرها، ولم تعُد قادرة على استخدام العين السحرية الموجودة أصلًا، فاضطررنا لعمل واحدة جديدة تتناسب مع طولها بعد انحناء ظهرها، مرت سنوات أخرى ولم تتمكن من السير والانتصاب مطلقاً واستخدمت كرسيًا متحرك، وبالتالي لم تعد قادرة على استخدام العين السحرية الثانية، مما اضطرنا لعمل عين سحرية أخرى ثالثة تتناسب مع مستوى الكرسي المتحرك الذي صار ملازمًا لها”.
تركتُ مكتبها وظلت ترن في أذني كلمات الحكيم الخالدة: «اذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُور» (جامعة١٢: ١). فمع مرور السنين تظهر ملامح الضعف البشري والإنساني في كل جوانب الحياة. لذا دعني أشاركك قارئي العزيز ببعض الشخصيات الكتابية وطابع الحياة التي قضوها على مدى الأيام والسنين، وحتمًا لنا في ذلك دروس قيمة ومفيدة.
سنون طابعها نزيف الدم والشقاء
«وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ» (مرقس٥: ٢٥-٢٦).
كانت هذه المرأة، وعلى مدار ١٢ سنة، تعاني من نزيف الدماء؛ مما جعلها في حالة نجاسة يومية بحسب الشريعة الموسوية، بالإضافة أنها تألمت كثيرًا من أطباء كثيرين ولم تنتفع شيئًا حتى التقت بالطبيب العظيم، وبلمسة واحدة وقف نزيف الدماء. إنها تشبه حال الكثيرين اليوم، مصابون بنزيف في الأخلاق والأموال والأوقات، ولم ينفعهم أحد من البشر ولم يشفهم أو يكفهم طبيبهم الزائل (المال، الشهرة، السلطة، ...) والعلاج الحقيقي والكافي يكمن في “التلامس” مع شخص الرب يسوع، وحتما ستأتي الحرية والشفاء. لقد آمنت به وقالت: «إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ» (مرقس٥: ٢٨).
سنون طابعها الضعف والانحناء
«وَإِذَا امْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضَعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ الْبَتَّةَ. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِكِ» (لوقا١٣: ١١-١٢).
هنا امرأة أخرى، ولمدة ١٨ سنة، تعاني من الضعف والانحناء؛ وهي تمثِّل حال فئة ليست بقليلة، تمرّ عليهم السنون وهم تحت طائلة الهموم والمشاكل والخطايا، مما يحني ظهورهم ويمنعهم من الانتصاب ورؤية الحياة بصورة مختلفة ومباركة. ويقبعون تحت الضغوط والضعف وينطبق عليهم القول «ضَعِيفٌ هكَذَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَى صَبَاحٍ؟» (٢صموئيل١٣: ٤). لكن مما يشجِّع أنه بالرغم من ضعفها وانحنائها «رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِك» (لوقا١٣: ١٢). لذا تأكد تمامًا يا صديقي أن الرب يسوع يراك ويرى ضعفك ويشعر بك، وهو أيضًا يريد أن يحلك من كل روح ضعف وفشل وانحناء في حياتك... فهل تُقبِل إليه؟!
سنون طابعها أيادٍ وأرجل عرجاء
«وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟ «(يوحنا٥: ٥-٦).
إن حالة هذا الرجل المفلوج أكثر سوءًا من سابقيه، فعجزه استمر لمدة ٣٨ عامًا!! لقد كان يعيش، لكن حياة بطعم موت. إنه يشبه حال الكثيرين ممن يحملون اسم المسيح، لكن لا لون ولا طعم ولا ثمر في حياتهم. فالأيادي (العمل الصالح) والأرجل (السلوك الصحيح) مشلولة تمامًا، مكتوب: «فليضيء نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ «(متى٥: ١٦). فهل أعمالنا وسلوكنا تمجد الله؟ لقد شُفى المفلوج من المرض الذي لازمه أغلب حياته عندما تجاوب مع سؤال الرب يسوع «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ» وتساؤل المسيح هذا لا زال قائمًا على مرِّ الأجيال... هل تشعر بحاجتك لإبراء من خطاياك وريائك يا عزيزي؟ أم ما زلت معجبًا بحالة العرج وعدم الاستقامة ؟
سنون طابعها البركة والرخاء
«زَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ فَأَصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ الرَّبُّ» (تكوين٢٦: ١٢).
يا لسعد وفرحة أبينا إسحاق، إذ في سنة واحدة أصاب مئة ضعف من الثمار، وباركه الرب على أساس نعمته الغنية فقط. فبالرغم من ضعف إسحاق الذي ظهر في كذبه على أبيمالك، إلا أنه أطاع الأمر الإلهي «تَغَرَّبْ فِي هذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ» (تكوين٢٦: ٣). وهنا أدرك اسحاق أنه غريب في هذه الأرض، فتمتَّع بالمعية الإلهية، لذلك أتت البركة السماوية لحياته «بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا» (أمثال١٠: ٢٢). فهل نحن تختبر بركة الرب في جوانب حياتنا أم ما زلنا نعتمد على قوتنا وإمكانياتنا الشخصية؟!
سنون تحمل طابع الوعد والرجاء
«وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ» (يوئيل٢: ٢٥)
ما أجمل تعويضات الله لمن يثق فيه ويتبعه، فهو الوحيد القادر أن يعوِّض عن السنين التي أكلها الجراد. ربما تكون بسبب نزيف الخطايا والشقاء أو سنين الضعف والانحناء، ومهما كانت الأرجل عرجاء، لا تمجد رب السماء. ها هو يقول لك: “أسمح لي أدخل لحياتك وأعوضك اللي فاتك” إنه صاحب الوعد الكريم: «فَمِنْ هذَا الْيَوْمِ أُبَارِكُ« (حجي٢: ١٩).
صلاة:
سيدي الغالي المسيح لقد مرت عليِّ السنين والأيام... لا أجد معنى فيها فهي بدونك أوهام... اسمح وادخل لقلبي وغيِّره بالتمام... لأختبر بركتك في حياتي على الدوام... وأشهد عن حبك أمام كل الأنام.