فتاة يهودية، من سبط لاوي، وُلدت في أرض مصر، في زمن العبودية (عدد٢٦: ٥٩)، من أبوين تقيين هما: عمرام ويوكابد، وأخت لاثنين من أعظم شخصيات إسرائيل هما: هارون وموسى. استخدمها الله وهي طفلة في إنقاذ أخيها موسى (خروج٢)، وبعد عبور البحر الأحمر قادت النساء في الترنيم للرب، وكانت نبية ومرسلة من الرب لشعبه، ولكن في ضعفها تكلمت على موسى.
ونتأمل بمعونة الرب في بعض مواقف أخرى من حياتها:
مريم مضروبة بالبرص
عندما تكلَّمت مريم مع هارون، على الأرجح كان الكلام بينهما فقط، لكن الرب سمع، فالرب يسمع كل شيء، «أَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا» (مزمور١٣٩: ٤). فتدخَّل الرب حالاً من أجل خادمه موسى، واستدعى الثلاثة: موسى وهارون ومريم إلى خيمة الإجتماع، فخرجوا، «فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي عَمُودِ سَحَابٍ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ، وَدَعَا هَارُونَ وَمَرْيَمَ فَخَرَجَا كِلاَهُمَا، فوبخهما قائلاً: “فَلِمَاذَا لاَ تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلَّمَا عَلَى عَبْدِي مُوسَى؟”». ثم دافع عن موسى بأنه عبده وأمين في كل بيته، ويتكلم معه مباشرة، فمًا لفم وعيانًا، لا بالألغار ولا بالأحلام ولا بالرؤيا، بل شِبه الرب يعاين (عدد١٢).
«فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ إِذَا مَرْيَمُ بَرْصَاءُ كَالثَّلْجِ». لقد غضب الرب عليهما، وضرب مريم بالبرص تأديبًا لها، كان الحُكم سريعًا وصارمًا، فالبرص مرض يشير إلى النجاسة، ويجعل الضحية كالميت، أو كالجثة المتحركة.
ما حدث لمريم كان مؤلمًا ومحزنًا جدًا:
* النبية تصبح برصاء! يا للعار!
* التي لها كرامة تشق ثيابها وتكشف رأسها! يا للخجل!
* المرنمة تغطي فمها وتنادي “نجسة نجسة”! يا للهوان!
* القائدة تُطرد خارج المحلة وتقيم وحدها! يا للذل!
ما حدث لمريم يُرينا قداسة الله، وأنه لا يتساهل مع الشر عندما يراه في أولاده، كما هو مكتوب: «لأَنَّهُ الْوَقْتُ لابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ الله» (١بطرس٤: ١٧). وهذا يجعلنا نحترص في كلامنا وسلوكنا وأفكارنا ودوافعنا «لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ» (١بطرس١: ١٦، ١٧).
جُعلت مريم عبرة وإنذارًا وتحذيرًا لمن يحاول أن يُسيء إلى رجال الله، فقال موسى للشعب قبل دخولهم أرض كنعان: «اُذْكُرْ مَا صَنَعَ الرَّبُّ إِلهُكَ بِمَرْيَمَ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ» (تثنية٢٤: ٩).
التفت هارون إلى مريم وإذا هى برصاء، فأسرع معترفًا بخطيته وطالبًا من أجلها، فقال لموسى: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، لاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا الْخَطِيَّةَ الَّتِي حَمِقْنَا وَأَخْطَأْنَا بِهَا. فَلاَ تَكُنْ كَالْمَيْتِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ رَحِمِ أُمِّهِ قَدْ أُكِلَ نِصْفُ لَحْمِهِ»، واستجاب موسى لطلب هارون أخيه، وصرخ إلى الرب قائلاً: «اللّهُمَّ اشْفِهَا».
كان موسى حليمًا جدًا، وتصرف بمحبة وحكمة، إذ صلى من أجل من أساء إليه، وهذا ما قاله الرب يسوع: «صَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ» (متى٥: ٤٤). واستجاب الرب لصلاته، لكن كان لا بد أن يقع عليها قضاء الرب.
فقال الرب لموسى: «وَلَوْ بَصَقَ أَبُوهَا بَصْقًا فِي وَجْهِهَا، أَمَا كَانَتْ تَخْجَلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ؟ تُحْجَزُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ، وَبَعْدَ ذلِكَ تُرْجَعُ. فَحُجِزَتْ مَرْيَمُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَرْتَحِلِ الشَّعْبُ حَتَّى أُرْجِعَتْ مَرْيَمُ».
بسبب خطية مريم تعطّلت مسيرة الشعب سبعة أيام، وهذا يُعلِّمنا أن خطية المؤمن تؤثِّر على الجماعة كلها، لذلك يقول بولس لمؤمني كورنثوس: «إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ» (١كورنثوس٥: ٧).
بالتأكيد تألَّمت مريم وحزنت وبكت كثيرًا، خلال السبعة الأيام التي قضتها خارج المحلة، وأخذ التدريب طريقه إلى نفسها، فأدركت شناعة خطيتها وصحة ما عمله الله معها.
لماذا ضُربت مريم بالبرص وحدها ولم يُضرب هارون؟ لسببين:
أولاً: لأن مريم كانت القائدة لهذه المذمة، لأنه يذكر اسم مريم قبل هارون، «تَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ وَهَارُونُ عَلَى مُوسَى» (عدد١٢: ١)، وغالبًا هارون كان شخصية ضعيفة فانقاد ورائها.
ثانيًا: هارون كرئيس كهنة، ما كان ممكنا أن يمثل الشعب وهو أبرص، لذلك أُعفى من العقاب، وهو من جانبه أحس بالذنب وأعترف به فورًا (عدد١٢: ١١).
موت مريم
وصل الشعب إلى برية صين، وأقاموا في قادش، «وَمَاتَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ» (عدد٢٠: ١).
كانت مريم شخصية مؤثرة وسط شعب الله، ولكنها في لحظات ضعفها تكلمت على موسى، فضُربت بالبرص، وبعد ذلك انهارت قوتها، وفارقتها الكرامة، ولم نسمع عنها أي شيء حتى وفاتها. عندما تفسد الأواني التي يستخدمها الله، لا تصلح للاستخدام بعد ذلك. قال الرب يسوع: «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ» (متى٥: ١٣)، «لاَ يَصْلُحُ لأَرْضٍ وَلاَ لِمَزْبَلَةٍ، فَيَطْرَحُونَهُ خَارِجًا» (لوقا١٤: ٣٥).
يعتقد البعض أن مريم لم تَعِش طويلاً بعد ذلك الأسبوع المؤلم، فهى لم تمُت بسبب كبر سنها، أو بسبب آثار المرض، لكن بسبب قلبها المكسور.
عندما مات هارون ودُفن في جبل هور «بَكَى جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ عَلَى هَارُونَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا» (عدد٢٠: ٢٩)، وعندما مات موسى ودُفن في جبل نبو في أرض موآب «بَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا» (تثنية٣٤: ٨)، لكن عند موت مريم، لا نقرأ أن بني إسرائيل بكوا عليها.
قيل عن أيوب: «بَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ» (أيوب٤٢: ١٢)، لكن بالأسف كانت آخرة مريم مؤسفة، وليست أفضل من أولاها. ليحفظنا الرب من أنفسنا.