كم نشكر الرب من أجل مؤسسة مجدي يعقوب التي ساهمت كثيرًا في إسعاد وفرحة الكثيرين، وإن كان مجدي يعقوب يصلح عيوب القلوب فإن الرب القدير يغيِّر بل ويخلق وينقي القلوب.
بداية الحكاية
لقد خلق الله الإنسان على صورته، له روح تشتاق إليه، وقلب صالح يحبه. لكن دخلت الخطية وأفسدت الإنسان «وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ» (تكوين٦: ٥). فبالخطية تدنَّس القلب، وبالكبرياء تقسّت قلوب البشر.
قلب جديد
القلب هو مركز العواطف والشعور لذلك قال الكتاب: «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أمثال٤: ٢٣). وللقلب الطبيعي أهمية كبرى، فهو يعمل بدون توقف، ويرسل الدم لكل عضو في الجسم؛ كذلك القلب بالمعنى الروحي، فمنه تخرج الصالحات أو الطالحات. كم من قلوب مريضة تحتاج إلى علاج وإصلاح، فالقلوب القاسية هي قلوب حجرية لا تَرِّقُ ولا ترحم «لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ» (متى١٥: ١٩)؛ وهذا ما ينجِّس الإنسان. لكن لنا الوعد: «وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ» (حزقيال٣٦: ٢٦). هذا هو عمل الله الداخلي؛ فيتبدَّل القلب الشرير بعمل روح الله والإيمان ويصير مسكنًا لروحه القدوس.
لا تُمِل قلبك لآخر
لقد طلب سليمان من الله قلبًا حكيمًا «وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ» (١ملوك٤: ٢٩). لكن لما لم يسهر واستسلم لحياة اللذة والترف كان «أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ...» (١ملوك ١١: ٤). وهكذا استسلم شمشون لشهواته فقالت له دليلة: «فَقَالَتْ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ أُحِبُّكِ، وَقَلْبُكَ لَيْسَ مَعِي؟ هُوَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَدْ خَتَلْتَنِي وَلَمْ تُخْبِرْنِي بِمَاذَا قُوَّتُكَ الْعَظِيمَةُ» (قضاة ١٦ :١٥)، ولما أباح لها بسرّ قوته وما بقلبه، سلمته لأعدائه. لذلك حذرنا الرب يسوع قائلاً: «إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (متى٥: ٢٨).
غاية الوصية
يقول الرسول يوحنا: «فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (١ يوحنا ٤: ١٠)؛ ولهذا نحن نحبه ونحفظ وصاياه «وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ» (١تيموثاوس ١: ٥).
طاعة من القلب
إن كلمة الرب تنقّي وتقدس وتثبت «لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين٤: ١٢). وطاعة الكلمة من القلب تجعل المؤمن يثبت في الرب «فَشُكْراً ِللهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا» (رومية ٦: ١٧). ليت لسان حالنا يقول: «خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مز ١١٥: ١١).
قلب غيور ملتهب
قال تلميذا عمواس: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» (لوقا ٢٤: ٣٢). من منا لا يلتهب قلبه عندما يحدثنا الرب بنفسه عن محبته وعمله وفدائه؟! قال إرميا يومًا فَقُلْتُ: «لاَ أَذْكُرُهُ وَلاَ أَنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ. فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي، فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ» (إرميا ٢٠: ٩). فلنحمل نيره ونتعلّم منه لأنه وديع ومتواضع القلب.
اعتراف من القلب
لنحرص على الاعتراف بالخطايا والثعالب الصغيرة، التي تفسد الكروم، ولنحيا بقلب متواضع كسيدنا، ونبتعد عن الكلام المتعالي الذي يقلِّل من شأن الآخرين لنرفع من شأننا، ونخدم الرب لا لكي يرانا الناس «لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ» ( أفسس ٦: ٦). وليتنا نضع الأبدية في قلوبنا لأننا غرباء، ووطننا الحقيقي هو السماء، التي نحن لها سفراء «صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ» (جامعة٣: ١١).
عام سعيد وقلب جديد
فالسبيل إلى القلب النقي هو الصراخ الجاد والتوبة الصادقة كما فعل داود قديمًا طالبًا من الله: «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور ٥١: ١٠).
ليتنا نُملك الرب يسوع على عرش قلوبنا، ونُتوَجَه ربًا على الكل، لتضخ قلوبنا حبًا، ونبضاتنا صلاة، وعروقنا تكريسًا وتخصيصًا...
وإن توقف نبض القلب على الأرض هنا، فهناك في الأبدية تبدأ أنشودة الحب والهنا.
مع خالص تحياتي بعام سعيد وقلب جديد.