تقابل مُرسَل مع قاطع طرق مجرم خطير!! وبدأ الأخير يستهزئ بخادم الرب، متهكمًا عليه بأنه يصدِّق هذه الخرافات المسيحية. فقرر المرسل أن يكشف له حقيقة هويته، ومن هو، وما هو ماضيه! قال المرسل لهذا المجرم: لولا هذا المسيح المخلِّص وهذه النعمة التي تسميها أنت خرافات والتي غيَّرت حياتي، لكنتُ أكلتك الآن! فأنا فلان الفلاني الذي كنت أكل لحوم البشر. فأرتعب قاطع الطرق جدًا، لكن المرسل طمأنه قائلاً: لقد غيَّرني المسيح بنعمته فصرت خليقة جديده ولذلك سأرحمك!
ما هي الرحمة؟
هي الشفقة على الغير بصفة عامة، ولا سيما للذين ضاقت بهم ظروف الحياة. ولعلنا نتذكر قصة السامري الصالح (لوقا١٠: ٣٧) الذي نزل عن دابته وتحنَّن على الجريح الملقى بين حي وميت. كيف ضمّد جراحاته، وصب عليها زيتًا وخمرًا، وأركَبه على دابته وأتى به الى فندق ودفع له الحساب. قيل عن هذا العمل القول الجميل « الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ».
كيف أصبح رحيمًا؟
الكتاب المقدس يصف الناس في بعدهم عن الله بالقول «بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ» (روميه١: ٣١). وحتى في طيبتهم قساة «أَمَّا مَرَاحِمُ الأَشْرَارِ فَقَاسِيَةٌ» (أمثال١٢: ١٠). فلا عجب أن نسمع أن «أَيَادِي النِّسَاءِ الْحَنَائِنِ طَبَخَتْ أَوْلاَدَهُنَّ» (مراثي٤: ١٠)! ولا عجب أن نجد ولد عاق يهين والديه بكل قساوة، أو شخصًا يغتصب فتاة ثم يقتلها! إنها البشرية يا صديقي بدون الله الرحيم! والآن، كيف يمكن للإنسان أن يكون رحيمًا؟
١. بالمقابلة مع المسيح ونوال خلاصه: وهذا واضح تمامًا مع شاول الطرسوسي الإرهابي الذي وصف نفسه بالقول «أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ» والسبب «أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (١تيموثاوس١: ١٣-١٥). ليس هذا فقط، لكن قلبه أيضا أمتلئ بالرحمة للغير فيقول «وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُشْفِقُ عَلَيْكُمْ» (١كورنثوس٧: ٢٨)، بل كان ينذر وينصح «بدموع كل واحد» (أعمال٢٠: ٣١).
٢. حينما أستمتع كل يوم بمراحم إلهنا: لنا في الشركة مع إلهنا فيضان من الرحمة، فقال داود « إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي.. أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَى الرَّبِّ فَالرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ» (مزمور٢٣، ٣٢). ولنا عرش النعمة أيضًا «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عبرانيين٤: ١٦).
كيف أظهر الرحمة؟
١. للمتألمين والمحتاجين من حولنا: في نهاية قصة السامري تعقيبًا على التعبير « الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ»، قال المسيح للناموسي «أذهب أنت وأصنع هكذا»، أي أصنع الرحمة.
٢. بمسامحة الأخرين: في مثل محاسبة العبيد في متي ١٨، سامح الملك عبده بعشرة آلاف وزنه، ولكن هذا العبد لم يُرِد أن يسامح زميلاً له بمئة دينار! فأحضره الملك وقال له «أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟ ... وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ» (متي١٨: ٣٣).
مكافأة الراحم!
١. الآن يرحمون: قال الرب يسوع «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى٥: ٧) فإن الذي يزرعه الأنسان إياه يحصد أيضًا.
٢. وفى الأبدية: يمتدح الرسول بولس ما عمله الأخ أنسيفورس، الذي أراح بولس وهو سجين، وطلب له مكافأة وقتيه وأبديه. فعن الوقتيه يقول «لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ» وعن المكافأة الأبدية له يقول «لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ» (٢تيموثاوس١: ١٦).
ذهبت أمرأه لرجل الله تشكو مللها ووحدتها، فنصحها رجل الله أن تذهب للمحتاجين وتزورهم، وللخطاة لتبشرهم، وبعد فتره رجعت اليه قائله له “الآن أنا أسعد إنسانة في كل البلده”؛ «النَّفْسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ، وَالْمُرْوِي هُوَ أَيْضًا يُرْوَى» (أمثال ١١: ٢٥).
أخوتي الأحباء كم يحتاج الناس من حولنا الي قلوب رحيمة، تشفق وتتحنن عليهم. فهل أنا وأنت هكذا؟ ليتنا نمتلئ رحمة وأعمالاً صالحه من الروح القدس، ونذهب لنقدِّم لهم صورة حقيقيه عن الله أبونا الرحيم، لا في عظة، بل في رحمة يحتاجون إليها. ولا ننسي قول مسيحنا الكريم «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى٥: ٧).