مريم أم يوحنا مرقس امرأة يهودية من سبط لاوي، لكنها آمنت بالرب يسوع، وظهر إيمانها في حياتها وبيتها، وذُكرت مرة واحدة في الكتاب المقدس (أعمال١٢).
مريم من عائلة تقية مكرسة للرب، فابنها هو يوحنا مرقس، الذي تميز بخدمة الأعوان، حيث رافق برنابا وشاول في الرحلة التبشيرية الأولى (أعمال ١٣: ٥)، ورافق برنابا (أعمال ١٥: ٣٩)، وبعد ذلك يقول عنه الرسول بولس أنه نافع له وللخدمة (٢تيموثاوس٤: ١١)، ورافق أيضًا الرسول بطرس (١بطرس٥: ١٣)، وبالتأكيد سمع منه الكثير عن حياة الرب ومعجزاته، ثم كتب إنجيل مرقس الذي يتكلم عن الرب يسوع كالخادم المثالي.
أخوها هو »يُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا «(كولوسي٤: ١٠)، »الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ، وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ، إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ، وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ« (أعمال ٤: ٣٦، ٣٧). وكان برنابا »رَجُلاً صَالِحًا وَمُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ« (أعمال ١١: ٢٤)، وأيضًا كان مشجِّعًا ويبحث عن الآخرين، حيث شجَّع كل من: شاول الطرسوسي (أعمال ٩: ٢٧)، ويوحنا مرقس ابن أخته (أعمال ١٥: ٣٩).
كانت مريم امرأة مقتدرة في أورشليم، تمتلك بيتًا فسيحًا يسع أعضاء الكنيسة بأعداد كبيرة، وكانت لديها جارية اسمها “رودا” والتي معناها “وردة”، ويدل اسمها على أنها كانت أممية، على الأرجح من جزيرة قبرص، وبسبب معاملة مريم الرقيقة لها، آمنت بالمسيح، حتى أنها كانت حاضرة مع الكنيسة إجتماع الصلاة.
فتحت مريم بيتها للكنيسة التي في أورشليم، بالرغم أن المؤمنين كانوا يتعرضون للاضطهاد، فلقد قتل »هِيرُودُسُ الْمَلِكُ يعقوب أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ، ثم عَادَ فَقَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضًا. ووَضَعَهُ فِي السِّجْنِ، مُسَلِّمًا إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابعَ مِنَ الْعَسْكَرِ لِيَحْرُسُوهُ، نَاوِيًا أَنْ يُقَدِّمَهُ بَعْدَ الْفِصْحِ إِلَى الشَّعْبِ«. وبالرغم من كل هذا فتحت بيتها للقديسين الذين في أورشليم ليجتمعوا ويصلوا بلجاجة إلى الرب من أجل بطرس. لم تخف، ولم تتراجع إلى الوراء، لكن كان إيمانها عظيمًا، وثقتها كبيرة في الرب الحافظ لها.
كانت مريم تحب الرب والقديسين، لذلك استضافت المؤمنين في بيتها، وهذا يتطلب جهدًا كثيرًا ووقتًا ومالاً، لتقديم ما يلزم من طعام وشراب، ثم تجهيز المكان ونظافته. إنها خدمة عظيمة ومباركة يقدرها الرب الذي قال: »مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِاسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَه« (مرقس٩: ٤١)، وسوف يكافئ من يفعل ذلك سواء في الزمان أو في الأبدية. استضافت ليدية بائعة الأرجوان في مدينة فيلبي بولس وسيلا في بيتها، بعد إيمانها بالرب يسوع (أعمال ١٦: ١٥)، ويذكر الرسول بولس عن غايس الذي من كورنثوس أنه: »مُضَيِّفِي وَمُضَيِّفُ الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا« (رومية١٦: ٢٣). ويحرضنا الكتاب على هذا الأمر: »لا تَنْسَوْا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ« (عبرانيين١٣: ٢)، وأيضًا «كُونُوا مُضِيفِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلاَ دَمْدَمَةٍ« (١بطرس٤: ٩). والأمثلة كثيرة في الكتاب (أقرأ تكوين١٨؛ ١٩؛ ٢صموئيل١٧: ٢٧).
عندما قُبض على بطرس ودخل السجن، اجتمعت الكنيسة في بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، وسكبوا قلوبهم أمام الرب في صلوات حارة، حتى يتمجد في إنقاذه وإخراجه من السجن، وكأنهم يقولوا: يكفي يا رب مقتل يعقوب، ولا نحتمل أن يحدث ذلك مع بطرس، فخرجت الصلوات بلجاجة كما هو مكتوب: »وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ« (أعمال ١٢: ٥).
استجاب الرب صلوات الكنيسة المجتمعة في بيتها، وأرسل ملاكه، وأخرج بطرس من السجن بطريقة معجزية، وعندما خرج بطرس من السجن »كَانَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِوَاسِطَةِ الْمَلاَكِ هُوَ حَقِيقِيٌّ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ رُؤْيَا، ثم فَارَقَهُ الْمَلاَكُ، وعندما رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ قال: «الآنَ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ انْتِظَارِ شَعْبِ الْيَهُودِ».
بعدها تحرك مباشرة إلى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، هذا يدل أنه من عادة المؤمنين في أورشليم الإجتماع في بيتها، وأنها شخصية معروفة ومشهورة، وكان الرسول بطرس يكنّ لهذه العائلة التقية تقديرًا خاصًا حتى أنه دعى مرقس ابنه (١بطرس٥: ١٣).
»قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ الدِّهْلِيزِ فجَاءَتْ رَوْدَا لِتَسْمَعَ، فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ الْبَابَ مِنَ الْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِل وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ. فَقَالُوا لَهَا: أَنْتِ تَهْذِينَ! وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّ هكَذَا هُوَ. فَقَالُوا: إِنَّهُ مَلاَكُهُ!».
هذا يرينا أنه بالرغم أن صلاتهم كانت بلجاجة إلى الله لكن كان إيمانهم ضعيفًا جدًا في أن يخرج بطرس من السجن. ليتنا عندما نصلي يكون لدينا الإيمان الواثق في الرب وفي قدرته (يعقوب١: ٦). ومن ناحية أخرى نتعلم أنه بالرغم من ضعف إيمانهم وثقتهم لكن استجاب الله لصلواتهم التي رفعت بلجاجة.
»وَأَمَّا بُطْرُسُ فَلَبِثَ يَقْرَعُ. فَلَمَّا فَتَحُوا وَرَأَوْهُ انْدَهَشُوا... وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَخْرَجَهُ الرَّبُّ مِنَ السِّجْنِ».
كانت مريم قدوة مباركة لابنها مرقس، وقد استمد بعضًا من شخصيتها، فلأنها تحب الخدمة خرج مرقس أيضًا يحب الخدمة، وبالتاكيد كان لها دورًا هامًا في تشجيعه على ذلك.
اتصفت يوكابد بالإيمان فخرج موسى ابنها رجل الإيمان (عبرانيين١١: ٢٣، ٢٤). كانت حنة زوجة القانة امرأة مصلية، فخرج صموئيل ابنها رجل الصلاة (١صموئيل١: ١٠؛ ١٢: ٢٣). كانت أفنيكي ولوئيس تحبان كلمة الله، فكان تيموثاوس منذ الطفولية يعرف الكتب المقدسة (٢تيموثاوس٣: ١٥)، يا ليتنا نؤثِّر إيجابيًا في حياة أولادنا فيتكرسوا للرب كلّية.
قدمت مريم ابنها مرقس للرب ليخدم خدمة الأعوان، ويرافق الرسل في خدمتهم، وهي تعلم أن طريق الخدمة شاق، وبه الكثير من الآلام، وكذلك قدمت حنة زوجة القانة ابنها صموئيل للرب، »ليَخْدِمُ الرَّبَّ أَمَامَ عَالِي الْكَاهِنِ» (١صموئيل٢: ١١).
يا ليت بيوتنا تكون مكرسة للرب، ومفتوحة لاستضافة القديسين، وتكون بها إجتماعات صلاة، وفرص شركة بعضنا مع بعض، ونخدم المؤمنين بحب حقيقي، ونكون قدوة لأولادنا، ونقدمهم للرب.