رأينا فى المرة السابقة حياة الاتكال التى عاشها الرب يسوع المسيح على الأرض. وسنتأمل الآن في الحياة التقوية التى ظهرت في شخصه. فيحدثنا الكتاب المقدس عنه كالتقى الحقيقى إذ مكتوب "كلمت برؤيا تقيك" (مزمور 89: 19). وأيضا "لن تدع تقيك يرى فسادا" (مزمور 16: 10). وفى العهد الجديد نقرأ القول "الذى فى أيام جسده إذ قدم .. طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه" (عبرانيين 5: 7)
1) والتقوى هى العيشة الدائمة فى محضر الله، هى الإحساس بوجوده والشعور بأن عينيه تراقبان كل شئ. وهذا كان اختبار المسيح عندما قال "جعلت الرب أمامى فى كل حين" (مزمور 16: 8).
2) التقوى هى مخافة الرب في السر والعلن، فى الحياة الخاصة والعامة هى السير مع الله وأمامه. وهذا ما تحقق فى المسيح عندما قال "جربت قلبى تعهدته ليلا. محصتنى. لا تجد فىّ ذموما. لا يتعدى فمى .. تمسكت خطواتى بآثارك فما زلت قدماى" (مزمور 17: 3،5). وأيضا شهد عنه الرب بأنه "اتقانى، ومن اسمى ارتاع هو. شريعة الحق كانت فى فيه، وإثم لم يوجد فى شفتيه. سلك معى فى السلام والاستقامة وأرجع كثيرين عن الإثم" (ملاخى2: 5،6).
3) من الناحية السلبية لم يفعل المسيح شيئا واحداً ليس فى محله. لم يفعل خطية ولا وُجِدَ فى فمه مكر. لم تكن فيه خطية، ولم تكن لديه أية ميول نحو الخطية. إنه لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف وفى مجلس المستهزئين لم يجلس" (مزمور 1: 1).
4) ومن الناحية الإيجابية فقد عمل كل شئ حسنا. كان في كل حين يعمل ما يرضى أباه وما يجلب السرور لقلبه (يوحنا 8: 29). كان طعامه أن يفعل مشيئة الذى أرسله ويتمم عمله (يوحنا 4: 34). وشعاره "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت، وشريعتك في وسط أحشائي" (مزمور 40: 8). فى ناموس الرب كانت مسرته، وفى ناموسه كان يلهج نهارا وليلا. كان يحفظ الشريعة ويكرمها. يقول "أنا حفظت وصايا أبى وأثبت فى محبته". كان الله كل شئ فى حياته، يحيا به، يتغذى بكلامه.
5) لقد سار مع الله فى توافق وانسجام تام. "ذهبا كلاهما معا". فى السراء والضراء، فى الصحو والغيم، فى النهار وفى الليل. إلى جثسيمانى وجلجثة. وقد أرضى الله.
6) ظهرت تقواه فى خضوعه الكامل لله أبيه عندما قال "لتكن لا إرادتى بل إرادتك". وفى أنه لم يفعل شيئا بالاستقلال عن أبيه ولم يتخذ قراراً واحداً بدونه. لقد عاش صابراً متمماً مشيئة الله التى اقتضت الكثير من الحرمان دون أن يشكو أو يتذمر. وعاش حياة التسليم الكامل وشعاره "نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك".
7) كانت التقوى مكلفة جدا بالنسبة له. فبسبب تقواه احتمل بصبر مقاومات وافتراءات كثيرة من خطاة فجار. "وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى .. يضطهدون". وعندما اضطُهِدَ كان يُسَلِّمُ لمن يقضى بعدل.
8) لم تكن التقوى بالنسبة له تجارة يحقق منها مكسبا مادياً أو أدبياً. فإنه لم يبحث عن الشهرة قط، ولم يسع ليصنع لنفسه اسماً. بل كان يخدم فى اختفاء واستتار. وشعاره "مجدا من الناس لست أقبل".
9) ظهرت تقواه فى أنه عاش حياة الصلاة. حيث كان يسحب نفسه كلما سنحت الفرصة للاختلاء مع الله. وهذه هى السمة التى تميز كل الأتقياء في كل العصور أنهم يقدرون الاختلاء مع الله.
10) ظهرت تقواه فى انفصاله عن الشر وعن رياء وكبرياء الأشرار من الفئات الدينية مثل الكتبة والفريسيين وفى التصاقه بالأتقياء. وكان شعاره "القديسون الذين فى الأرض والأفاضل كل مسرتى بهم" (مزمور 16: 3) حتى لو كانوا أذل الغنم فى إسرائيل. فقراء ومساكين وبلا صيت أو شهرة فى هذا العالم.
11) وأخيرا ظهرت تقواه فى التصاقه بالهيكل ومحبته لبيت الله على الأرض، وغيرته على قداسة هذا البيت. ففى بداية خدمته طهر الهيكل وقال "لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة". وفى نهاية خدمته طهره مرة أخري وقال "بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". وفى إنجيل يوحنا نرى بوضوح علاقته الوثيقة بالهيكل وخدمته الكثيرة هناك. وعلى مر العصور فإن الأتقياء كان لهم تقدير خاص ومحبة خاصة لبيت الرب تنبع من تقديرهم لرب البيت. قديما كان البيت مادياً أما الآن فإن المؤمنين هم بيت الله روحياً على الأرض. والله يسكن فيهم بالروح القدس.
ما أحرانا أن نتمثل بهذا النموذج الفريد فى تقواه. ولنتذكر أن التقوى رياضة تحتاج إلى تدريب وممارسة. وأن لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة أى لها مكافأة فى الزمان ومكافأة أمام كرسى المسيح فى المجد.