رأينا في العدد السابق أن الأمور المقرَّرة من الرب لا بد أن تتم، والرب في نعمته ورحمته أيضًا أعلنها لنا لتكون: موضع ثقة وفخر للمؤمن، وتنبيه وتحذير لغير المؤمن. ورأينا أن هناك حتميات مرتبطة بحياة وموت وقيامة الرب يسوع، وأخرى مرتبطة بالإنسان. وفي هذا العدد سنلقي الضوء بمعونة الرب على كلمة «يَنْبَغِي» والمرتبطة بموت وقيامة الرب يسوع. لأنها أساس كل شيء.
فلنقرأ «مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (متى١٦: ٢١). أيضًا «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا
يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا٣: ١٤).
وهنا نرى الآتي:
١– حتمية موت المسيح وقيامته أظهرها الرب للتلاميذ مرات عديدة، منها مرقس٨: ٣١، لوقا٩: ٢٢، يوحنا٣٤: ١٢.
٢– حتمية موته في مكان محدَّد، وهو أورشليم. عكس ما قصد اليهود قبلاً أن يقتلوه طرحًا من على جبل مدينة الناصرة (لوقا٤: ٢٩).
٣– حتمية إتمام المكتوب عن قصة الصليب: وهنا نقرأ أكثر من شهادة.
أ) قالها الرب لتلاميذه: «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ
يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (لوقا٢٤: ٤٦).
ب) وقالها بطرس لليهود بالإرتباط بصعوده «وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ، قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا.. الَّذِي
يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ، إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ» (أعمال٣: ١٨–٢١).
ج) وأيضًا الرسول بولس «وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ الْكُتُبِ، مُوَضِّحًا وَمُبَيِّنًا أَنَّهُ كَانَ
يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (أعمال١٧: ٢، ٣).
د) وقالتها الملائكة للمريمات «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلاً: إِنَّهُ
يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (لوقا٢٤: ٥–٧).
فمن رفض فكرة موت المسيح عندما أعلنها لم يكن يعرف النبوات، ومن عرفها لم يفهمها. فهناك حوالي ٤٥ نبوة عن صلب وموت المسيح؛ فمثلاً كيف كانت ستتحقق نبوة «ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ».
٤– موت المسيح لم يكن فقط إعلان قاله للتلاميذ بل
تعليم علَّمه لهم كثيرًا. وهكذا يجب أن نكون نحن، كما قال بولس «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» (١كورنثوس٢: ٢).
٥– حدَّد الرب ليس فقط حتمية موته، ومكان موته، بل أيضًا
من رفضوه وسلموه وهم: الشيوخ، ورؤشاء الكهنة، والكتبة، وهذا الجيل. وحدَّد أيضًا
من يسلم لأياديهم، أي الأمم.
٦–
حتمية قيامته من الموت «وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ
يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ» (مرقس٨: ٣١).
٧- حدَّد كذلك
حتمية دخوله إلى مجده بعد آلامه «أَمَا كَانَ
يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» (لوقا٢٤: ٢٦).
٨– حدَّد حتمية رفعه على الصليب، وسبب هذا. وهنا نقف ونقول: حتمية موت المسيح هي محور مشورات الله من الأزل، وموضوع الكتاب المقدس. فعند خلق الإنسان قال الله «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» ثم باركه وسلطه على كل شيء (تكوين١: ٢٦–٣٠). لكن الإنسان سقط فدخلت الخطية والموت كأجرة لها، ثم بعد ذلك الدينونة. ونتيجة لذلك:
أ) أهين الله وتشوَّهت صورته في الإنسان.
ب) طُرد الإنسان بعيدًا عن الله «آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع» (إشعياء٥٩: ٢). وصار الإنسان هالكًا ومديونًا ومذنبًا ومستعبَدًا. فكلمة الله تصف لنا مشكلة الخطية والخطاة. ولذلك لا بد أن تتناسب قوة الدواء مع درجة الداء. فالعلاج الوحيد هو موت المسيح البديل. والسبب المباشر هنا «لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ». أيضًا «لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» (١بطرس٣: ١٨).
٩– كانت فكرة الصليب والموت بعيدة تمامًا عن فكر التلاميذ، واليهود، بل وكل من سمعها. فبطرس عندما سمعها قال للرب «حاشاك». واليهود كانوا ينتظرون المسيا المخلص والمنقذ من عبودية الرومان. والجمع - منهم يونانيون – عندما سمعوا الرب يتكلم عن موته أجابوه «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ابْنُ الإِنْسَانِ؟ مَنْ هُوَ هذَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» (يوحنا١٢: ٣٤).
١٠– حتمية الصليب كانت لإظهار صفات الله: فكيف يكون «إِلهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ» في آن واحد معا. كما أعلن عن نفسه؟! (إشعياء٤٥: ٢١). كان من السهل فهم القول «بار وديان». ولكن لم يكتب هذا. فكيف للبار أن يخلِّص؟ كيف يبرِّر المذنب وهو الذي قال «مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ» (أمثال١٧: ١٥). فإن كان الله يكره هذا فكيف يفعل ما يكرهه؟!
عزيزي القارئ: هل فهمت الآن أنه كان ينبغي للمسيح أن يعلَّق على الصليب ويموت؟ هل آمنت بالمسيح الذي أسلم نفسه لأجلك؟ هل نلت بركة الخلاص من الهلاك الذي ينتظرك؟ وهل ضمنت الحياة الأبدية بدلاً من الموت الأبدي؟ أتمنى لك ذلك.