تكون السماء ملبدة بالسحب الكثيفة في أغلب أيام الشتاء. لكن حين أرفع نظري نحو السماء أجد بعض الثغرات المضيئة بين الغيوم الداكنة، تبزغ منها حزمًا متفرقة من أشعة النور المستقيمة، كأنها كشافات عملاقة تشق العتمة بضيائها. هذا المنظر أحبه وأشعر حينها أن الرجاء يعانقني بذراعيه. هذه الخطوط المنيرة ما إلا دليل أن الشمس المشرقة غير محجوبة بتمامها، فتعطي أملاً أن الجو القاتم سيصفو ويتبدَّل بإشراق جميل.
هكذا الحال، عندما نمر بظرف صعب، ملابساته محيِّرة، ثقيل على مشاعرنا كغيمة سوداء، ثم نرى - في وسط الأزمة - لمحات من الألطاف والمراحم النابعة من قلب الله المحب؛ مثل أشعة مضيئة، تشق غيمة التجربة المعتمة، فيتجدَّد رجاؤنا، ويتشجع إيماننا، وتتشدَّد هممنا، وتفيض قلوبنا بالشكر والامتنان للرب.
من الأسباب التي تكدِّر صفو الحياة هي المتاعب الصحية. لا يغيب عن أذهاننا أننا نسكن في خيام ضعيفة وهشة جدًا، وعندما يكتشف أحد إخوتنا أو أخواتنا أنه مصاب بأحد الأمراض التي يدرجها الطب ضمن الأمراض المستعصية، يأتي الخبر كالغيمة السوداء التي تجعل جو الأسرة كله معتمًا وكئيبًا، وتعلو زفرات الأنين في أركانه. لكن شكرًا للرب؛ رئيس الكهنة الرحيم الذي لا يمنع جوده وإحساناته الرقيقة لكل مؤمن على فراش المرض. دعونا نتأمل في حزمة من الأشعة المضيئة التي نرى فيها إحسان إلهي - له أربع نواحي - ربما اختبرتها أنت أو شخص قريب لك في أزمة صحية مؤلمة. كما يقول المرنم «مَهَّدْتَ مَضْجَعَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ» (مزمور٤١: ٣). لنشجع ونشدد بعضنا بعضًا بصلاح إلهنا الذي يمكن أن يملأنا كل سرور وسلام في الإيمان مهما كان الحال بالعيان.
أولاً: استجابة سريعة لطِلبة محدَّدة
«وَادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مزمور٥٠: ١٥). مرات نصرخ للرب في ظرف حرج وشائك، كي يتدخل في موقف لا ينفع فيه إلا شخصه القدير والرحيم، وتأتينا استجابة الرب الفورية مثل نسمة لطيفة تسكِّن قلوبنا المضطربة وتشجِّع إيماننا. ربما تأتي الاستجابة لطِلبَة محدَّدة مثل تدبير الرب للطبيب المناسب في الوقت المناسب، أو وضع حدِ لأعراض المرض. يمكن أن تكون الاستجابة السريعة مجرَّد تسكين للألم الشديد، أو إستجابة الجسم لجرعة العلاج. أليس هذا إحسان من الرب الرحيم أن يهب حكمة للطبيب المعالج؛ فيصف العلاج المناسب، ومن رحمة الرب أن يحفظ الجسم من أي مضاعفات جانبية، وأن يعطي للمادة الفعالة قوتها وتأثيرها.
ثانيًا: حرية وشفاء من مخاوف سائدة
«طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لِي، وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي» (مزمور٣٤: ٤). أثقل الأوقات على الإنسان هي التي تكون فيها نفسه مكبَّلة بالهواجس والمخاوف من التوقعات السيئة، لكن حين يزيلها الرب بلمسات الرحمة والإحسان يتجدَّد الرجاء في قلوبنا، ويتبدَّد القلق والأرق ويتبدَّل بالسلام مع الشكر. يستغل الشيطان أوقات الألم ليبدَّد سلامنا، وليرعبنا مما يمكن أن يحدث لنا، أو لأحد أحبائنا؛ فنصرخ للرب، فنجد شعاعًا مضيئًا من مواعيده الأمينة يملأنا بالسلام، أو قد يبدد المخاوف من خلال بشائر طيبة ومطمئنة يرسلها الرب على فم طبيب أو صديق أو قريب.
| كل مخاوف جوايا زالت |
| لما ايديك بحنان لمستني |
| عملت فيً ولسة ما زالت |
| عمالة تشكل وتعينني |
ثالثًا: نجاة من خطر وصحة متجدّدة
أحد الأشعة المضيئة التي تنعش الرجاء في قلب المريض؛ نجاح لعملية جراحية معقَّدة أو حدوث تحسُّن في الحالة أدهش الأطباء الذين كانوا يتوقعون خطرًا ما لكنه لم يحدث مطلقًا. الرب لم يكفّ عن أن يخلَّص المؤمنين من أخطار وضيقات الحياة أو يشفي شفاءًا كاملاً. يا حبذا لو رأى المؤمن المتألم الأمور بمنظار الإيمان الذي يجعله لا يركّز نظره على الوضع القائم بمعطياته المخيبة للآمال، بل يدفعه أن يستودع نفسه (عقله ومشاعره) بالتمام للرب. للإيمان دور قوي وفعّال يجعل الحقائق المعروفة عن الله حية ومؤثِّرة وفعّالة. ربما ذات المرض أو نفس العملية أودت بحياة شخص آخر من قبل، لكن هل يستحيل على الرب شيء؟ إن شاءت مشيئته الصالحة أن يشفي من مرض صعب، فهذا لطف كبير وشهادة لمراحمه التي لا يحجزها سدّ وقدراته التي بلا حد.
مهما كان الحال هتقدر |
| يا اللي بتشق البحور |
مهما كان ع الأرض ضلمة |
| السما مليانة نور |
رابعًا: شركة بين المؤمنين بنفس واحدة
من أجمل ما نختبره في أزمات الحياة كمؤمنين هو أننا نجد إخوة لنا في عائلة الله يشاركوننا مشاعرنا ويتألمون لآلامنا. نعم إنه أحد الأشعة المنيرة التي تكسر عتمة الغيمة وتجدِّد الرجاء في قلوب التعابى. خاصة عندما تظهر المحبة بشكل عملي. على سبيل المثال: عندما يلتف إخوة أحباء حول أخ مريض ويتحدوا في الصلاة من أجله، يزور عدد من الأخوات أختًا لهم أثناء مرضها لمعاونتها في أعمال المنزل، أو لإعداد الطعام للأسرة. يا لها من لمسات رقيقة تحركها المحبة المخلصة العميقة. إمتياز عظيم أن يحيط بك أحباء مخلصون، لهم أحشاء سيدهم، ومشاعرهم الرقيقة ومحبتهم المخلصة العديمة الرياء، وعواطفهم الصادقة، تكون بلسمًا طيبًا يشفي جروحك وينعش روحك. في الأزمات نتذوَّق حلاوة المودّة الأخوية ونختبر دفئها الحنون بصورة أعمق من أوقات الرحب. يا له من إحسان عظيم من الرب أن يُحاط المؤمن المتألم بإخوته في وقت ضيقته! «الصِّدِّيقُونَ يَكْتَنِفُونَنِي، لأَنَّكَ تُحْسِنُ إِلَيَّ» (مزمور١٤٢: ٧). في وسط ضيقتك، سوف تجد من يظهر المحبة والاهتمام والبعض الآخر ربما ينشغل عنك. لكن على أيّة حال شكرًا للرب، كثيرًا من أجل الذين يهتمون لأنهم قنوات للبركة، يُسرّ الله أن يستخدمهم لتوصيل مشاعره وألطافه من خلالهم.