ها مجلتنا المحبوبة قد بلغت الخامسة والعشرين، وها نحن كبرنا معها؛ من بدأ يقرأها في الإعدادي أصبح متزوج ويعول، ومن كان يتصفحها في شبابه، دق الشيب رأسه.
لكن شكرًا لله، أن كل هذه السنين لم تكن ضائعة، لكن كانت المجلة هي وسيلة من وسائل الله العديدة في تشكيل حياتنا، والتكلُّم إلى قلوبنا.
ولهذا اخترت – عزيزي القارئ – أن أشاركك ببعض اعترافاتي كقارئ للمجلة، ثم ككاتب مبتدئ فيها، خاصةً أن علاقتي بها، كانت بمثابة نقطة تحول في حياتي الروحية والعملية أيضًا.
أعترف كقارئ:
- أعترف أنني، وأنا فتى، كنت أظن أن نحو الهدف، اسم شركة أو منظمة، وخاصةً أن لها “لوجو“ مميَّز مثلهم، ولم أعلم أنه جزء من آية في الكتاب المقدس، إلا لما درسنا رسالة فيلبي في اجتماع الشباب الناشئ، وعرفت شعار بولس القائل: «أَسْعَى
نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي٣: ١٤).
- أعترف أنني كنت لحوحًا، وأنا أحاول أن أعرف من الأخ باسم يسري، ميعاد صدور المجلة في المنيا، وكنت أنتظر غلافها الملون، والذي حمل تصميمات مميَّزة لم تُمحَ من ذهني؛ مثل غلاف الحيوانات، أو غلاف سفينة تايتانيك، أو غلاف كسوف الشمس، وأذكر أيضًا الكثير من تصميمات المجلة الداخلية مثل النضارة المكبرة والطموح، أو الصُباع في سلسلة ”الله يسأل فبماذا تجيب“ أو طريقة حوار ”بيني وبينك“ الشيقة.
- أعترف أن من شدة تأثري بالمجلة، أننا قررنا (ونحن في سن ثانوي) سنة ١٩٩٧م، وأثناء مؤتمر «اركضوا لكي تنالوا» للشباب الناشئ في “أبو قرقاص”، أن نُخرج مجلة صغيرة مثلها، نكون نحن محرريها، وأسميناها حينئذِ “نقوم ونبني”، ورغم أنها لم تصدر سوى ثلاث أعداد، ورغم أن من اشتراها هم العائلات والإخوة مجاملة أو تشجيعًا لنا، إلا أنها كانت تجربة صغيرة، هيأتنا لتجربة أكبر.
- أعترف أنني كنت أكثر القراء سعادةً، عندما ظهر العدد الذي يوجد به صور كتَّاب المجلة، وهم يتجمعون حول بعض أجهزة الكمبيوتر، وظللت أقارن كل اسم بصورته، وأعترف إنني كنت أحب المجلة وهي صغيرة حجمًا، وكان بيني وبينها حاجز نفسي عندما كبرت، ولكن زال هذا الحاجز تدريجيًا.
وأعترف ككاتب:
- أعترف أن بداية الكتابة في المجلة، كانت بدعوة كريمة من الأخ عصام خليل في جلسة حبية من جلساته الكثيرة مع الشباب، فوجدت نفسي أكتب فكرة «المعنى في بطن الشارع»، وأرسلت له أول مقالة بعنوان «يا ساتر»، فطلب مني إعادتها لضمان جودتها، وتكرر الطلب مرتين، وفي المرة الثالثة كنت أنوي الاعتذار له، ولكنه قال لي: دي نزلت، شوف غيرها.
- أعترف أنني مرَّات يأست، وشعرت أن الناس لا تقرأ، وأن المقالات مجرد تنفيس من الكاتب لنفسه، حتى ذهبت مرة لمكتب إدارة الصيدلة بمديرية الصحة، وفوجئت هناك بعشرات الأعداد الحديثة من مجلة نحو الهدف، ولما سألت الموظفة، عرفت أن دكتور غايس رتيب يأتي بها بشكل دوري، ويقرأها جميع الموظفين، وأيضًا الصيادلة المترددين عليهم، فذاب اليأس مني فورًا.
- أعترف أنني تعلمت الإنجاز رغمًا عني، وهذا أمر جلل لا يعرفه الكماليون، فإن وعدت بمقالة، لا بد أن أضغط نفسي فيها، وأطبق “شيفتات“ في عملي لأنجزها، وإلا لحقتني رسالة الأخ عصام، أو اتصاله، أو لا سمح الله غضبه، وكنت أظن أنه عندما لا يرد على إيميل المقالة، يعني أنه رفضها، ولكن أخبرني صديقي باسم شكري، بأن العكس هو الصحيح، وأنه يا ويلك لو رد الأخ عصام على ايميلك!!
- أعترف أن نحو الهدف أتعبتني كثيرًا من دقتها اللغوية والنحوية، فأصبحت أسير في الشارع متوترًا، وأنا أرقب أخطاء الإعلانات واليافطات، وأصبحت أدخل الفيسبوك متضررًا، وأنا ألاحظ من يستبدلون الذال بالزين، ويكتبون فعلاً هكذا «فعلن»، ويخلطون بين الهاء والتاء المربوطة، هذا طبعًا خلاف الهمزات وما يحدث فيها من جرائم وانتهاكات.
- أعترف أنه مرة أقنعني إبليس «المشتكي والمجرِّب» أن أتوقف عن الكتابة، لأنني كنت أكتب كلامًا أكبر من حياتي أحيانًا، وخاصةً بعد مقالة بعنوان «تعيش» كانت تتكلم عن التكريس الحقيقي لله. وبعد هذا القرار، فوجئت بأحد الشباب الصغير، يتصل بي على غير عادته، ويخبرني أنه قرأ هذه المقالة بالذات عدة مرات باكيًا، وأنها غيَّرت كثيرًا في حياته، فأغلقت معه الاتصال، واستلمت منه وصلة البكاء.
- أعترف أنني دخلت في جدال كبير مع المحرر المسؤول حول بعض عناوين المقالات، فلما اعترض على عنوان «كتر خيرك» استعنت بترنيمة بنفس العنوان، ولما اختلفنا عن عنوان مقالة هل هو ”ونعم بالله“ أم ”ونعمة بالله“ ألغيت المقالة، ولما رفض مقالة أخري عرفت أن له بعد فكري خاص!!
- أعترف أنني كونت علاقة روحية مع جيراني في الصفحات، قبل أن أراهم، خاصةً من أبناء جيلي؛ فأحببت قصص صديقي بيتر، وأُعجبت جدًا بجراءة “آن”، وتشاكلت مع صديقي رامز، أما باقي خدام الرب، فشعرت بالشرف الرهيب والنعمة الجزيلة وأنا أجاورهم الصفحات، وأنا من كنت أقرأ مقالاتهم بالساعات.
- أعترف أنني استعنت بكثير من المادة الموجودة على موقع المجلة، وأنا في إطار إعداد بعض البرامج المسيحية، ووجدت فيها صدق المرجع، وكثافة العرض، وشمول الموضوع، وشعرت بجهد كل حرف مكتوب فيها، وشكرت الرب على أجزاء كثيرة منها؛ خاصةً موسوعة الكتاب المقدس للأخ يوسف رياض، وسفر مفتوح للدكتور ماهر صموئيل، ومتاعبك النفسية للدكتور عصام عزت.
- وفي الختام، أعترف أن مجلة نحو الهدف كان لها نصيب كبير في بناء أبناء جيلي؛ روحيًا وعقليًا ونفسيًا، أدمناها ففوقتنا من إدمانات أخرى، وأحببناها فحمتنا من محبات غريبة، وكبرنا معها وما زالت هي كما هي؛ فيتبدل الكُتاب، وتتغير السلاسل، ويبقى الله؛ الكاتب الأعظم يحقق مشيئته العليا منها.