يحرص البعض من الشعب الياباني على الاحتفاظ بالأشياء المكسورة وخاصة الأواني، عكس بقية الشعوب والثقافات التي تعتقد بأن: “الأشياء تقل قيمتها إذا كُسرت، فمهما حاولت إصلاحها، حتمًا سيظهر أثرٌ لكسورها أو حتى شروخها”.
لكن اليابانيين يعتقدون إن كسر الأشياء ليس النهاية، بل بداية لإعادة صياغتها وإظهار جمالها بما يسمونه فن الكينتسوكوروي، أو الكينتوجي. لذلك يجمعون الأشياء المكسورة، ثم يملئون الفراغات التي تكوَّنت بسبب الكسر مستخدمين الذهب المذاب، فترتسم خطوط ذهبية جميلة بطول وعرض الوعاء، مما يعطي قيمة للأشياء المكسورة، لإظهار الجمال الذي فيها، وإن لم يكن واضح من قبل. هذا بالإضافة إلى أن الذهب يزيد من قيمة الأشياء المكسورة، بشكل ملحوظ جدًا. كما أن إضافة الذهب تغير المنظر العام، من مجرد إناء مكسور بلا قيمة، إلى إناء قيِّم يلمع الذهب فيه ويتألق أكثر، إذا ما داعبته أشعة الشمس ليصبح تحفة فنية، تزداد صلابةً وجمالاً مع مرور الأيام.
عزيزي، عزيزتي.. قد تتفق أو تختلف مع وجهة نظر اليابانيين في تعاملهم مع الأشياء المكسورة، لكني هنا أريد أن أكتب عن نوع أخر من الكسور، قد نمر به في حياتنا، وهو: القلوب المكسورة. كسر القلب مؤلم وصعب، وغالبًا ما يترك جروحًا وشروخًا دفينة، قد يطول آثارها لسنين عديدة بسبب الفشل في الوصول إلى علاج حقيقي، لجبر وملء تلك الكسور، وهذا ما وجدناه في طبيب الأطباء الرب يسوع، الذي قال عن نفسه: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ» (لوقا٤: ١٨). حقًا، ما أحلاك يا سيدي وأنت تداوي الروح المكسورة «رُوحُ الإِنْسَانِ تَحْتَمِلُ مَرَضَهُ، أَمَّا الرُّوحُ الْمَكْسُورَةُ فَمَنْ يَحْمِلُهَا؟» (أمثال١٨: ١٤)، والقلوب المكسورة «ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُه»ُ (مزمور٥١: ١٧)، والنفوس المنحنية، بسبب قيود الخطية، لتصنع منها إناءً قيمًا كما يحسن في عينيك ليكون «إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِ عَمَل صَالِحٍ» (٢تيموثاوس٢: ٢١).
“أنا إناء أسود كسير عليل
لاقيتني إيد خزاف مالهوش مثيل
صرت في يده: إناء أبيض جميل”
لكن قد يسأل سائل متحيرًا: لماذا يسمح الله بالإنكسار المؤلم في حياتنا؟!
لذا دعني أشاركك يا عزيزي، ببعض البركات والأسرار من وراء الإنكسار لجوانب مختلفة من حياتنا:
البركة والاكتفاء
كسر الرب حق فخذ يعقوب في مخاضة يبوق، فصار يخمع (يعرج)، ليكفّ عن الاعتماد والاتكال على الإمكانيات البشرية، وليصرخ صرخته الشهيرة: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي»؛ فاختبر «بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا» (أمثال١٠: ٢٢). وكيف لا والرب الذي وعد قائلاً: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ» (٢كورنثوس١٢: ٩). لم يمشِ يعقوب مستقيمًا إلا بعد كسره.
النور والضياء
إنتصر الشعب بقيادة جدعون عندما كُسرت الجرار أثناء المعركة، ومنها إنبثق النور رمز الإضاءة والشهادة. لقد علَّمنا الرب قائلاً «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ» (متى٥: ١٤)، لذا قد يسمح الرب لنا أحيانا بالإنكسار لكي يخرج منا نورًا ينير الظلام الروحي السائد حولنا، من خلال شهادتنا الحية له وعن حكمته وصلاحه أثناء الإنكسار بالرغم من الألم والمرار.
“إكسرنا ونورنا بنورك.. عيش فينا وإدينا حياتك”
طِيب يُعطِّر الأجواء
هل تذكر معي عزيزي القارئ، التي قيل عنها «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ» (مرقس١٤: ٣). أحيانًا يريد الرب منا أن نكسر طواعية أمورًا غالية في حياتنا، وعندها «يُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ للهِ» (٢كورنثوس٢: ١٤ ١٥). قد نئن أو نخور في ضعفنا البشري، ومن الممكن أن نلوم الرب لسماحه بكسر في حياتنا، لكن ليتنا نكسر بإرادتنا الغالي لأجل الرب ونتغنى مع المرنم “ولأجلك كل تضحية تهون”.
بركة وغذاء
لقد قدَّم الغلام طواعية إلى المسيح طعامه الخاص الذي هو خمس خبزات وسمكتين «وَرَفَعَ الرب يسوع نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا» (متى١٤: ١٩-٢٠). لذا، تأكد يا عزيزي أن القليل لو طرحته في يد الرب هو كافٍ جدًا لأشباع نفسك وإشباع الكثيرين من حولك، حتى لو كان في بادئ الأمر يبدو وكأنه إنكسار. لكن ثق يا عزيزي فالرب الذي سمح بكسر في حياتك قادر أن يستخدمه سببًا في إشباع وتشجيع الكثيرين حولك.
تشكيل الإناء
أمر الرب إرميا بالذهاب إلى الفخاري وهو يعمل عملاً على الدولاب «فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ» (إرميا١٨: ٤). وأحد أسباب فساد الوعاء هو انكسار الطين أثناء التشكيل. لذا دعنا نرنم مع المرنم “أيها الفخاري الأعظم.. عُد وأصنعني وعاء آخر”.
صلاة:
سيدي الغالي المسيح: آتي إليك بقلبي المكسور.. لقد غرقت في الخطايا والشرور.. ليتك ما تملك على قلبي على مَرِّ الدهور.. ساعدني أعيش لك وأحيا دائمًا في النور.. فأختبر معك معنى الفرح والسرور.