بعد أن رأينا (في العدد قبل السابق) ما فعله المسيح كـSupervisor وهو يختار تلاميذه الأولين؛ وكيف سأل أندراوس “ماذا تطلب؟” ليختبر دوافعه، وكيف تنبأ لأخيه سمعان “أنت بطرس” إيجابيًا عكس شخصيته، نواصل في هذا العدد تكملة أسئلة المسيح في ذات المشهد المذكور في يوحنا ١.
الأمر لفيلبس
التلميذ الثالث الذي التقاه المسيح فرديًا هنا، نقرأ عنه «وفِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي، وَكَانَ فِيلُبُّسُ مِنْ بَيْتِ صَيْدَا، مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ» (يوحنا١: ٤٣، ٤٤).
وفيلبس هذا هو من قال للمسيح قبل إشباعه الجموع «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا» (يوحنا٦: ٧)، وهو أيضًا من قال له: «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا» (يوحنا١٤: ٨)، وبالتالي فهو شخصية ذو عقلية حسابية، يحسب كل شيء بالورقة والقلم، ولا يعترف كثيرًا بالأمور غير المنظورة.
ولأن المسيح يدرك نوعية شخصية فيلبس المختلفة عن سابقيه، فلم يتعامل معه بسؤال مثل أندراوس (ماذا تطلب)، ولا بتنبؤٍ مثل سمعان (أنت بطرس)، ولكن أعطاه أمرًا مباشرًا سريعًا (اتبعني)، وهو يعلم أنه سيستجيب، وبالفعل استجاب!!
المدح لنثنائيل
وأخيرًا نقرأ عن التلميذ الرابع في هذا المشهد، وهو نثنائيل، فنقرأ «فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ» فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يوحنا١: ٤٥، ٤٦).
فنثنائيل كانت في ذهنه فكرة سلبية راسخة بأن الجليل لا يُخرج أي صلاح؛ لأن سكانه اختلطوا بالأمم المجاورين لهم، وكان يظهر هذا في لغتهم، كما قيل لبطرس مرة: «حَقًّا أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ!» (مرقس١٤: ٧٠). ولهذا لم يلتفت نثنائيل إلى كلام فيلبس عن المسيح رغم قوته ورزانته: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ» (يوحنا ١: ٤٥).
وحسنًا فعل فيلبس أنه لم يدخل في جدال طائفي عقيم مع نثنائيل، لكننا نقرأ «قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: تَعَالَ وَانْظُرْ» (يوحنا١: ٤٦)، وهو تصرف واعٍ منه، لأنه أراد أن يكسب الشخص وليس أن يكسب الحوار.
أما رد فعل المسيح فكان هكذا «وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ عَنْهُ: هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ». فالمسيح رد على ذم نثنائيل بمدح من نفس النوع؛ بأنه يهودي بلا غش ولم يختلط بالأمم، وهي كلمة يستطعمها اليهودي جيدًا، فصُعق نثنائيل من قوله المباغت، وخاصًة عندما عرف أنه رآه تحت التينة وهو يتحاور مع فيلبس، فقال نثننائيل للمسيح: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يوحنا١: ٤٩).
ما أمهرك أيها المسيح المدير!! تعرف مفاتيح شخصيات تلاميذك، وتدرك اختلافهم عن بعضهم.. وتقبلهم كما هم، فلا تريد استنساخهم من بعضهم.. فلا تستخدم نفس الأسلوب الجامد مع جميعهم.. فواحد تسأله فتفحص له غرضًا.. وثانٍ تتنبأ له فترفعه لك مستقبلاً.. وثالث تأمره فيطيعك فورًا.. ورابع تمدحه فتصحح له فكرًا!!
عزيزي القارئ، تبعية المسيح القائد لا يمكن أن تتم بالورقة والقلم، ولكن ينبغي أن تتم تحت مظلة الإيمان؛ وهي تعتمد على الأمور غير المنظورة الأبدية أكثر من الأمور الحسية الفانية، وفي نفس الوقت إن أردت الحوار مع المسيح، فاسمح له أن يخترق ذهنك، ويصحح لك أفكارك.
وللحديث بقية