مثل شهير بالعامية المصرية. و“الحداية” هي أنثى الغراب، وهي طائر نجس يقبل أن يأكل حتى الجيف الميتة. ومن الطبيعي في القرى المصرية أن ترى “حداية” انقضت على عشة دجاج لتخطف الكتاكيت الصغار لتأكلهم بعيدًا. والمثل يقول إذا شاهدت “حداية” طائرة ممسكة بكتكوت فلا تتوقع أنها ستلقي به إليك حبًا فيك، فدأبها هو الخطف لا العطاء. ويقولون المثل لمن يتوقع شيئًا جيدًا من مصادر ردية. كأن تتوقع هدية من بخيل، أو أمانة من لص، أو عطية بلا مقابل ممن غرضه دائمًا الربح. فالحداية لن ترمي كتكوتًا إلا في حالة واحدة: إن أرادت أن تستعمله طُعمًا لاصطياد صيد أكبر.
والحداية روحيًا قد تتمثل في مغريات تبدو لك كافية، أو تفاهات توهمك أنها ستسعدك، أو نجاسات تغريك بأنها ستشبعك؛ فإذ بك لا اكتفيت ولا سعدت ولا شبعت، بل عكس ذلك ما سيكون.
ظنت حواء أن الحية “حداية” تعطيها كتاكيت بتلميع الشجرة في عينيها فاصطادتها بالعصيان لوصية الإله المحب، ويا لهول النتائج (تكوين٣).
وظن شمشون أن دليلة “حداية” تعطيه كتاكيت؛ فاصطادته بالنجاسة، احتالت عليه وأذلته، ولأعدائه أسلمته، وفقد عينيه فلم يرَ كتاكيت من بعد ذلك (قضاة١٦).
أما يوسف فاقتنع أن امرأة فوطيفار“حداية” لا تعطي كتاكيت بل ثعابين؛ فلاذ بفرار المنتصرين الطاهرين (تكوين٣٩)، وما كان من الله إلا أن كافأ أمانته أيما مكافأة.
وعلم دانيآل أن بيلشصر الملك بعروضه المغرية “حداية” بلا كتاكيت؛ فقال قولته الشهيره «لِتَكُنْ عَطَايَاكَ لِنَفْسِكَ وَهَبْ هِبَاتِكَ لِغَيْرِي» ونجا بقناعته من أهوال سقوط المملكة (دآنيال٥) واستمر بتمسكه بإلهه ناجحًا. كذا فعل إبراهيم حين قال لملك سدوم مترفعًا «رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطًا وَلاَ شِرَاكَ نَعْل وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ، فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ» (تكوين١٤)، وكفاه ما أغناه به الرب العلي.
صديقي، ماذا عن “الحدايات” في حياتك؟ ماذا عن الأصدقاء السائرين في سبل معوجة؟ وماذا عن مشاهدات نجسة؟ ومطامع وحب امتلاك يستعبدك؟ وماذا عن... وعن؟
تذكَّر:
الحداية ما بتحدفش كتاكيت، لكنها قد ترمي لك طُعمًا لاصطيادك!!