قصة قديمة تحكي عن شخصين أحدهما فلاح والآخر راعي أغنام. كان الفلاح يذهب إلى حقله يوميًا، ويهتم بأرضه ويعمل فيها بجد واجتهاد؛ فأثمرت أرضه ثمرًا وفيرًا. وكان الراعي يخرج بغنمه يوميًا ويرعاهم بجانب حقول الفلاح.
وفي ذات يوم جلس الفلاح والراعي معًا يتأملان في عظمة الخالق، ويتجاذبان أطراف الحديث وهم يشربون الشاي المعمول على نار الأغصان الجافة التي تُعطي نكهة خاصة. فرفعوا أعينهما إلى فوق ورأيا السماوات تحدَّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه؛ فالشمس ترسل أشعتها الذهبية على صفحة المياه الجارية بهدوء من جدول صغير تشرب منه أغنام الراعي ويسقي منه الفلاح أشجاره، ثم نظرا نظرة إلى أسفل وتأملا في زهور الحقل الجميلة والعصافير المغردة فوق الأشجار والأنهار الجارية تحتها.
فقرر الفلاح والراعي أن يتقرَّبا إلى الله المبدع الخالق العظيم.
فنزل الفلاح إلى حقوله وأخذ من أفضل ثمارها وقدَّم منها إلى الله كقرابين؛ لكي يرضى عنه. وأخذ الراعي من أفضل أغنامه وقدَّمها إلى الله.
وهنا كانت المفاجأة الصادمة، أن الله قبل ذبائح هابيل الراعي ورفض ثمار الأرض المقدَّمة من قايين.
فما كان من قايين الفلاح إلا أن استشاط غضبـًا، وامتلأ قلبه بنار الغيرة والحقد على أخيه هابيل. ويومـًا فيومـًا ازدادت نار الغيرة والحقد على أخيه، وبركان الشر يغلي في داخله وحدث ما لا يُحمد عقباه.
فذات يوم كانا في الحقل، وراودت قايين (المتديّن) فكرة شيطانية أن أخاه لا يستحق أن يعيش، وبدلاً من أن يذبح شاةً، قام على أخيه هابيل وذبحه كما هو مدون في سفر التكوين الأصحاح الرابع ورسالة يوحنا الرسول الأولى الأصحاح الثالث. ذبحه على الطريقة الداعشية لأنه ذبحه بسبب الدين. ولم يمتثل قايين لتحذيرات الله له، ولم يقنع بـأن الله لا يقبل أحدًا إلا عن طريق الذبيحة «وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عبرانيين٩: ٢٢).
ومن هذه القصة نتعلم عدة دروس:
١- طريق الله للخلاص:
هذا الطريق رسمه الله بالذبيحة وذلك نعلمه منذ أن سقط أدم وحواء في الخطية وحاولا ستر عريهما كما هو واضح في سفر التكوين الأصحاح الثالث. ولكن الله صنع لهما أقمصة من جلد وألبسهما، بل كان قد سبق ووعد بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية، كانت إشارة لعمل المسيح على الصليب.
ومنذ أن صنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة جلدية، كان هذا إعلانـًا واضحًا وصريحًا من الله أن الطريق الصحيح إلى الله لا بد أن يكون عن طريق الذبيحة. وقد فهم آدم هذا الأمر جيدًا وأعلنه لابنيه قايين وهابيل.
فاقتنع هابيل بهذا الإعلان الإلهي، الذي عرفنا فاعليته فيما بعد في الذبائح عبر الكتاب. وتوالت الإعلانات عبر الكتاب في العهد القديم الواحد تلو الآخر ولمدة أربعة آلاف سنة «وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ» (غلاطية٤: ٤)، ليقدِّم نفسه على الصليب كالذبيحة الكاملة، ولم ينزل من على الصليب إلا بعد أن قال »قَدْ أُكْمِلَ« (يوحنا١٩: ٣٠).
٢- محاولات الإنسان الفاشلة للحصول على الخلاص
فقد حاول الإنسان جاهدًا أن يشقَّ طريقـًا آخر للوصول إلى الله. وأول من أسَّس مدرسة الأعمال في الوصول إلى الله هو قايين الذي قدَّم من ثمار الأرض الملعونة. ولو كان قايين فكر قليلاً لكان قد وصل إلى الفكر الذي أعلنه الله لأبيه آدم.
فمدرسة الأعمال تجعل الإنسان متدينًا تدينًا زائفُا ظاهريًا، كما أوضح الرب يسوع بعد ذلك في مثل الفريسي الذي يتميز بالرياء والكبرياء.
وعلى طول صفحات الكتاب نرى الله يرفض أي اقتراب إليه إلا عن طريق الذبيحة وعبَّر عن ذلك النبي صفنيا في سفره والأصحاح الأول قائلاً «لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ» (صفنيا١: ١٨)، بل يرد الرسول بطرس على هذا في رسالته الأولى والأصحاح الأول قائلاً «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (١بطرس١: ١٨-٢٠).
صديقي... أي الطريقين تختار؟!