بالرغم من دعوته كمتحدث رسمي في مؤتمر عالمي للعاملين في شركة “كوكاكولا”، فاجأ “براين دايوسن” - الرئيس التنفيذي لشركة كوكاكولا حول العالم من ١٩٨٦ إلى ١٩٩١ – الحضور بخطبة لا تتعدى ٦٠ ثانية، بالرغم من إتاحة الوقت الأكبر له لإلقاء كلمته، حتى يستفيد الحضور من كل بقاع العالم بخبراته! لكنه أدهش الحضور بلباقته بالإضافة إلى حكمته وذكائه في توصيل رسالة مؤثرة في ثواني قليلة. وإليك قارئي العزيز ملخص لكلمته المترجمة والتي وضعها المحللون تحت عنوان “لعبة الحياة”:
تخيل الحياة لعبة من ٥ كرات تتلاعب بها في الهواء محاولاً ألا تقع أي منها على الأرض؛ هذه الكرات الخمس هي: “العمل” و“العائلة” و“الصحة” و“الأصدقاء” و“الروح”. ولن يطول بكَ الحال قبل أن تُدرك أن العمل عبارة عن كرة مطاطية كلما وقعت قفزت مرة أخرى، بينما الكرات الأخرى مصنوعة من زجاج؛ إذا سقطت إحداها فلن تعود إلى سابق عهدها، ستصبح إما معطوبة أو مجروحة أو مشروخة أو حتى متناثرة. عليك أن تعي ذلك وأن تجاهد في سبيله. أدِّ عملك بكفاءة خلال ساعات العمل، وأُخرج وقت الانصراف لتكون مطمئنًا بإخلاصك؛ أعطِ الوقت اللازم لعائلتك وأصدقائك، وخُذ قسطًا مناسبًا من الراحة؛ فالأشياء القيمة ستكون كذلك عندما تشعر بقيمتها فقط.
لقد أعجبت جدًا بكلمة وحكمة “دايسون” في تشبيهه للحياة وكيفية الموازنة في ترتيب الأولويات في حياتنا، خاصة وأن الوقت قصير جدًا، وهناك الكثير من المهام التي يمكن تحقيقها إذا ما استطعنا تحقيق تلك المعادلة الصعبة في إعطاء كل كرة من كرات الحياة حجمها ووقتها الصحيح. يأتي هذا بالترتيب الصحيح للوقت والأولويات في الحياة مع تحديد هدف واضح للعيش لأجله. فالوقت هو أكبر استثمار لدى كل واحد منّا وكل منّا هو المسؤول والمايسترو عن كيفية إدارة وقته الخاص والذي سيعطي عنه حساب في اليوم الأخير. لكن تذكر وأنت تعيد ترتيب وقتك أن الكتاب المقدس حتمًا يحفزنا ويشجعنا على الاجتهاد والنجاح في العمل «أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ!» (أمثال٢٢: ٢٩). لكن احذر من أن تأتي رغبتك في النجاح في العمل على حساب باقي الجوانب في الحياة كما تكلم “براين دايسون”؛ فدعونا نتعلم من سليمان الحكيم كيفية التمهيد والترتيب الصحيح لقرارتنا وأوقاتنا «مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ، فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ» (أمثال٤: ٢٦).
لكنني أيضًا أحبائي الشباب، أريد أن ألقي الضوء على ما تعلمه لنا كلمة الله الحية، من تعاليم ودروس قيمة عن حياتنا هنا على الأرض، وكيفية إدارة الوقت، وهذا حتمًا سيعطينا دفعة قوية لاستثمار كل ما يجود به الرب علينا من بركات وامتيازات في الحياة لاستغلالها لمجد المسيح. فهذا ما التفت إليه قديمًا الملك داود إذ أدرك قصر الحياة وعندها صرخ للرب في مزموره ٣٩: ٤-٦ «عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي وَمِقْدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ، فَأَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ هُوَذَا جَعَلْتَ أَيَّامِي أَشْبَارًا، وَعُمْرِي كَلاَ شَيْءَ قُدَّامَكَ. إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ. إِنَّمَا كَخَيَال يَتَمَشَّى الإِنْسَانُ». وتسائل يعقوب في رسالته «مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ» (يعقوب٤: ١٤). فاختبارات الحياة تؤكد لنا أن الحياة فعلًا قصيرة مثل الأشبار، الخيال، بخار ونفخة! لذا طلب موسى حكمة من الأعالي في مزموره «أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ. إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ» (مزمور٩٠: ١٠-١٢)، فإذا كان موسى، والذي تأدب بكل حكمة المصريين طلب من الرب أن يعطيه حكمة لإدارة وقته وحياته فما بالك بحالنا نحن؟ أعتقد أنه من أحكم القرارات التي من الممكن أن نقدم عليها هو أن نعيش وقت حاضرنا في ضوء الأبدية الخالدة وهذا سيساعدنا للسلوك بالأمانة والتدقيق «فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أفسس٥: ١٥-١٦). وبما أن الأيام شريرة والوقت مقصَّر؛ لذا دعونا ننتفض من سُباتنا يا أعزائي، فـ«هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا» (رومية١٣: ١١). واضعين دائمًا في أذهاننا أن تعبنا ليس باطلًا في الرب. فما أحلى حياة تُنفق باتزان وحكمة، ويدور محورها حول إكرام الرب يسوع في كل جوانب الحياة. تأكد يا أخي أن الوقت الذي تستثمره في إكرام الرب هو ليس إطلاقـــًــا بالكرة الزجاجية التي قد يشوبها الضعف والهزال والهشاشة إذا ما تعرضت للسقوط لكنها كرة مليئة بالخير والبركة، والاختبارات والمراحم من الأعالي. فإذا كنت عليك أن تلعب “لعبة الحياة”، فمن الحكمة أن تلعب بالكرة الرابحة بطول الخط.
أخيرًا يا صديقي، احذر من أن يمر بك الوقت والعمر دون أن تترك بصمة واضحة ومؤثرة فيمن هم حولك فتشابه أفرايم الذي «أَكَلَ الْغُرَبَاءُ ثَرْوَتَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ، وَقَدْ رُشَّ عَلَيْهِ الشَّيْبُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ» (هوشع٧: ٩). صدقني إن الثروة الحقيقة هي في يديك الآن، إنها وقتك، صحتك، خدمتك لذا دعونا نستغل الفرصة ونكرم الرب بكل ما أؤتينا من قوة في كل ما تمتد إليه أيادينا.
دعني أكرم اسمك وأرفعه الآن
لئلا تمضي الفرصة وينتهي الزمان.