“أنا كده”.. “مستحيل أتغير”.. عبارات كثيرًا ما تترد على مسامعنا عندما نتحدث عن التغيير في الشخصية. لكن، هل هذه العبارات صحيحة أم لا؟ هذا ما سنتطرق إليه في باقي المقال.
كان عنيفًا، قاسيًا، لا يعرف التسامح ولا الغفران، المحبة ليست أسلوبه ولا طريقة يُفضِّل التعامل بها، القانون الذي يحكم تعاملاته مع الجميع هو: العين بالعين والسن بالسن. حتى أن سيده لقَّبه بابن الرعد!! إلى هذا الحد كان غضبه - بالرغم من تبّعيتهُ لمعُلم طبيعته المحبة، ليس للذين يحبونه فقط، بل للذين يبادلونه العداء. ولكننا نتعجّب عن التغيير الجذري، الذي حدث في حياة هذا التلميذ، حتى إنه، بعد ذلك، يدُعى يوحنا الحبيب.
يوحنا ويعقوب ابنا زبدي، كانا من تلاميذ الرب، وأيضًا بينهم وبين بطرس شراكة في صيد السمك. ونفهم من الكتاب أنهما كانا ميسوري الحال حيث يملكان قاربًا للصيد ويستأجران أشخاص يعملوا معهما. هذا الثلاثي كان أقرب التلاميذ إلى قلب الرب، فمواقف عدة كانوا معه على انفراد (لوقا٥: ١٠؛ مرقس١: ٢٠).
في إنجيل لوقا٩ ترد حادثتان متتاليتان، توضحان لنا الكثير عن شخصية يوحنا. الحادثة الأولى: «فَأجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا». عندما رأى شخصًا يُخرج شياطين باسم المسيح فمنعه، والسبب، أنه لا يتبع الرب معهم. ويتضح من ثنايا الكلام، مدى عدم قبول يوحنا لمن لا يعرفه، حتى ولو كان يؤمن بنفس ما يؤمن به هو، ويتبع نفس الإله الذي يتبعه، وربما يختلف معهُ في أمر شكلي بَسيط وهو: لا يتبع الرب معهم (أو بنفس طريقتهم). تلك الروح الطائفية الناموسية، التي كانت لديه لتجعله يمنع من يؤمن بنفس إلهه أن يفعل ما يفعله هو وأن يمارس ما جعلهم الرب يتمتعون به كمؤمنين في ذلك الوقت.
لكن الرب يسوع - له كل المجد - عالج تلك الروح الناموسية الطائفية، ليس عند يوحنا فقط بل عند باقي التلاميذ، عندما قال للجميع «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا».
والحادثة الثانية في نفس الأصحاح، عندما ذهب الرب إلى قرية للسامريين ولكنهم لم يقبلوه، فكان رد فعل يوحنا ويعقوب «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟». لكن الرب يسوع التفت إليهما ووبخهما بشدة قائلاً لهما «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ«. وهنا يكشف لنا الوحي الإلهي عن صورة أعمق في تلك الحادثة، عن يوحنا الذي فكَّر أن تنزل نار من السماء فتفني قرية بأكملها لمجرد أنها رفضت أن تقبل الرب، مع أن الرب لم يفكر في ذلك إطلاقًا. إلى هذا الحد كانت طبيعة يوحنا تبدو قاسية. لكن الرب في محبته عالج يوحنا ويعقوب عندما قال لهما «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!» وبكلمات الرب لهما أردا أن يعطيهما درسًا هامًا هو: “أنا لا أكره الذين يكرهونني بل أحبهم وأقبلهم”، ووضح لهما الرب الاختلاف بين تفكيره وتفكيرهم.
والآن عزيزي القارئ سننتقل للجزء الأهم الذي أود مشاركتك إياه وهو: كيف تغير يوحنا بطريقة عجيبة، ليصبح الشخص الجميل الرقيق الذي كتب عن المحبة بغزارة في رسائلهُ، خاصًة الرسالة الأولى حيث تكررت كلمة المحبة ٥١ مرة في الرسالة، وكُتب عنُه في التاريخ أنه عندما تقدم به العمر ولم يكن يقوى على الكلام، كان لديه عبارة يرددها للمؤمنين وهي “أحبوا بعضكم بعضًا”؟!
الطريقة التي تغير بها هي الاتكاء في حضن يسوع وعلى صدره (يوحنا٢١: ٢٠؛ ١٣: ٢٣). تعوَّد على الجلوس بالقرب الشديد من الرب فتأثر جدًا به، وتغير ١٨٠ درجة، تعلَّم منه المحبة والتواضع والرفق والحنو، بطريقة جعلته يكتب للمؤمنين ويناديهم «يَا أَوْلاَدِي».
إن كنت تريد تغييرًا حقيقيًا في حياتك، كما حدث في حياة يوحنا، ليكون لك تأثير، لا بديل عن الاقتراب من الرب. ثلاثة أمور في غاية الأهمية يتم بها التغيير في حياتك:
أولاً: خصص وقتًا يوميًا لقراءة الكتاب المقدس، اختر وقتًا تكون في حالة جيدة من التركيز غير مُجهَد أو مُرهق. واطلب من الرب أن يكلمك من خلال كلمته ويفتح ذهنك وقلبك. وعندما تواظب على هذا الأمر ستكون عادة جميلة جدًا ستصنع فرق في حياتك.
ثانيًا: خصص أيضًا وقتًا تقضيه في الصلاة مع الله وتكشف له كل ما في قلبك، ومع التدريب والاستمرارية سيصبح من أكثر الأوقات متعة في يومك.
ثالثًا: احرص أن يكون لك شركة مع أصدقاء مؤمنين يحبون الرب بحق ويحبون كلمته. تكون لكم أوقات تشجعوا بعضكم بعضًا عن طريق قراءة كلمة الله والصلاة معًا.
قد يبدو طريق التغيير صعبًا، لكنه جميل ومفيد عندما ترى ثماره الرائعة في حياتك، واعلم أنك لا تسير بمفردك لكن سيكون الرب دائمًا معك ليشجعك ويقويك، يغيرك وبعدها يستخدمك لكي تكون سبب بركة في حياة الكثيرين.