فَقَالَ لَهُمَا:
«مَا هَذَا ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» (لوقا٢٤: ١٧).
ده كان سؤال الرب لتلميذي عمواس: إيه نوعية الأحاديث اللي رايحة وجاية بينكم ومخلياكم حزانى بالشكل ده؟
ردوا عليه: هو أنت الغريب الوحيد هنا في المنطقة؟ أنت مش متابع الأخبار اللي حاصلة اليومين دول ولا إيه؟
وابتدوا يحكوله الحكاية اللي هما متخيلين إنه مش عارفها. وبيحكوا طبعًا من وجهة نظرهم اللي كلها إحباط. “نحن كنا نرجو”! وكلامهم كله غلط × غلط.
بس هو فضل ماشي معاهم ومُطوِّل باله عليهم وعمال يسمع ويسمع.
لحد ما جات اللحظة اللي وصف وشخّص فيها حالتهم مضبوط:
«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!»
المكتوب واضح قدامكم، واضح من جميع الأنبياء، وواضح في جميع الكتب. بس الحالة اللي انتوا فيها دي سببها أن قلوبكم بطيئة في الإيمان بالمكتوب. مش واخدين المكتوب على محمل الجد!
وعشان كدة عينيكم مش شايفاه أو شايفاه ومش عارفاه!
هيلين كيلر (وكانت ضريرة صماء بكماء – لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم) سألوها في يوم عن إيه اللي ممكن يكون أصعب من عمى البصر؟
قالت لهم: عمى البصيرة!
ما كان في مرة أعميان برضه على الطريق، والرب عشان يشفيهم ماخدوش منه حوارات ولا مشي معاهم مشوار طويل، بس لمسة وكلمة «فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا» (متى٩: ٣٠).
فعلاً واضح أن عمى البصيرة أصعب من عمى البصر.
المهم رجع الرب سأل تلميذي عمواس:
«أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟».
“
كان ينبغي”، يعني كان لازم يحصل، يعني الحاجات اللي محيراكم دي واللي مخلياكم حزانى كدة، كانت لازم تحصل!
الكتب بتقول إن الألم يسبق المجد. وإنه إن كنا نتألم معه فسنتمجد أيضًا معه، فليه مستغربين من “هذا كله”؟!
وابتدأ يشرح ليهم - بطُولة باله المعهودة - كل اللي كان مفتَرض إنهم يكونوا عارفينه وحافظينه ومصدقينه.
وقرّبوا على المكان اللي كانوا فاكرين إنه مقصدهم النهائي، لكنه هو ماكانش لسه وصل لقصده فيهم لسه القلب ساقع متلج والعينين ممسوكة عن معرفته. هل يسيبهم كدة برضة؟ يهون عليه يسيبهم برأس إتملت بالمعلومات الصحيحة عنه، لكن بقلب بارد وعينين مش عارفاه؟
فتظاهر كأنه منطلق لمكان أبعد. وهو دايمًا عنده الأبعد وعنده الأعمق، والأعلى والأوسع! بس مستني العبارة المفتاحية دي: «
فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: “امْكُثْ مَعَنَا”. فدخل ليمكث معهما».
وهي “
ألزماه” و“
أمكث معنا” دي الحاجة اللي ناقصانا فعلاً. هي اللي لازم تكون رد الفعل تجاه عبارة «
اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ».
ماهو لو كان سابهم على كده، لا كانوا رجعوا ولا فرحوا ولا بشّروا. أو يمكن كانوا رجعوا يحكوا شوية أخبار ومعلومات صحيحة عنه!
لكنه عطاهم الوقت الكافي، دخل ومكث معاهم واتكأ، يعني قعد معاهم على الترابيزة، وهناك في الشركة معاه، جت قمة الاختبار الرائع: «
فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ!»، وعرفوا نفسهم كمان، وعرفوا حقيقة قلوبهم فيهم.
وفي تلك الساعة، في ذات اللحظة قاموا راجعين ال ١١ كيلو اللي مشوها غلط. بس المرة دي مشيوها في الاتجاه الصحيح. قاموا ورجعوا عشان يكونوا بركة لأخواتهم.
رجعوا حكوا حاجتين: حكوا أخبار، وحكوا إختبار!
أخبروا بما حدث في الطريق (ودي الأخبار الصحيحة: الأمور المختصة به اللي فسرها ليهم من جميع الكتب)؛ ولكنهم كمان حكوا إختبار: كيف انفتحت أعينهما وعرفاه عند كسر الخبز؟
ودول حاجتين مش حاجة واحدة، إني أعرف عنه حاجة، وإني أعرفه هو معرفة شخصية، دي حاجة تاني خالص.
يا ترى إحنا واقفين في أي مرحلة؟
هل لسه في مرحلة “ونحن كنا نرجو”؟
هل لسه مش عارفين الأمور اللي كان ينبغي أن تحدث! الحاجات (الألامات) اللي كانت لازم تحصل؟
أو عارفين ومش مصدقين؟
هل اقترب إلينا يسوع نفسه ومشي معنا؟
هل لسه بنشرحله الأمور من وجهة نظرنا المحبَطة اليائسة؟
يا ترى عينينا أخبارها إيه؟ ممسوكة ولا اتفتحت؟
قلوبنا؟ باردة ولا ملتهبة فينا؟
أرجلنا ماشية من أورشليم للبرية؟ ولا أخدت ال “يو تيرن U-Turn” ورجعت؟
الفم بيحكي عن أخبار سمعناها على الطريق؟ ولا بيشهد باختبار عميق على المائدة؟
هل ما زلنا برضة ماشيين عابسين؟!
طيب ألزمناه “امكث معنا” ولا لسه؟!