هذه قصة حقيقية لرجل دين كان يشغل منصبـًا دينيـًا كبيرًا، وكان له ابنة في الصف السادس الإبتدائي، وكانت بالنسبة له قـُرَّة عينه وفلذة كبده، لأنها وحيدة. كان يذهب كل صباح إلى فراشها ليوقظها برفقٍ، ويأخذها في حضنه ويمطرها بقبلات الحب، لكي تذهب إلى مدرستها، وينتظر بلهفة لحظة رجوعها فيستقبلها بالأحضان والقبلات.
وذات يوم رجعت الطفلة من المدرسة والأب ينتظر كالعادة نزول ابنته من العربة الخاصة بالمدرسة. تلقف الرجل ابنته في حضنه كالعادة وأمطرها بالقبلات، وأثناء تقبيلها فوجئ بسخونة شديدة على وجنتيها؛ فانزعج في الحال، ونظر في عينيها الجميلتين، فلاحظ أن الطفلة لا تستطيع رفع جفنيها من شِدَّة السخونة في جسمها، فانزعج أكثر. أخذ ابنته مسرعـًا إلى أقرب طبيب أطفال لينقذها. دخل إلى عيادة الطبيب وإذ بها مكتظة بزحامٍ شديد من المرضى، فطلب من السكرتارية كشف مستعجل لينقذ ابنته. وهنا كانت مشكلة، أن هذا الطبيب متدين ولم يتبع سياسة التمييز المادي في الأجر. فتصاعدت المشكلة، وصرخ في سكرتير الطبيب قائلاً ”بنتي بتمووووت حرام عليكو“ وأجهش بالبكاء. وبهذه الصرخة المدوية شد انتباه جميع الموجودين في صالة الانتظار، وكعادة أهل الشرق الطيبين تعاطف جميع الناس معه وطلبوا من سكرتير الطبيب أن يسمح له بالدخول نظرًا لظروف الحالة. دخل إلى الطبيب، وبعد الفحص الدقيق وعمل التحاليل اللازمة شَخَّص الطبيبُ المرضَ على أنه مرضٌ نادرِ، ونسبة الشفاء منه ضئيلة جدًا بل تكاد تكون منعدمة.
أُسقط في يدي الأب وذهب إلى بيته وهو يدعو ربه ويتمتم بمقاطع دينية لعلها تنقذه من هذه الورطة. ولكن حالة الطفلة كانت تذهب من سيء إلى أسواء. هنا طرأت على ذهن امرأته فكرة، فقالت له: إني اسمع عن شخص جليلي اسمه يسوع بن يوسف الذي من الناصرة، يعمل معجزات خارقة للطبيعة. فلماذا لم نذهب له؟ استشاط يايرس غضبـًا وقال لزوجته كيف اذهب إلى يسوع وأنا رئيس مجمع كفر ناحوم؟ فماذا لو علم مجمع السنهدريم بأني ذهبت إلى يسوع؟ فإنهم يخرجونني من المجمع! فيضيع مستقبلي. كيف أفعل هذا؟!
قال الرجل هذه الكلمة وهو في صراع شديد بين غريزة الأبوة ومحبته وخوفه على ابنته الوحيدة التي يحبها، وبين منصبه الديني وتاريخه الاجتماعي. ولكن تحت إلحاح زوجته، وصراع عواطفه، وأنين ابنته، لم يستطع المقاومة. قام مسرعـًا مهرولاً في شوارع كفر ناحوم يسأل عن يسوع المسيح، فقيل له إنه ذهب إلى الناحية الآخرى من بحيرة طبرية إلى منطقة كورة الجدريين وشفى هناك الرجل الذي كان فيه لجئون من الشياطين، ولكنه ركب السفينة راجعـًا إلى كفر ناحوم. فذهب الرجل مسرعـًا إلى شواطئ كفر ناحوم وانتظر بفارغ الصبر وصول سفينة الرب يسوع إلى الشاطئ، ورأى زحامـًا شديدًا أكثر من الذي كان في عيادة طبيب الأطفال، فشقَّ الزحام صارخـًا وسجد على الأرضِ (لوقا٨: ٤١) باكيـًا وهو يقول للرب ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا!» (مرقس٥: ٢٣). فذهب الرب مع الرجل وسط زحام شديد من الناس الذين كان بعضهم جاء مع رئيس المجمع والبعض الآخر يطلب الرب لحل مشكلة عنده. وكان يايرس يحث الجمع على إخلاء الطريق للموكب والسير في الشوارع غير المزدحمة لكي يصل في أقرب وقتٍ ممكن.
ولكن حدث فجأة أن الموكب توقف، وإذ بالرب يسوع يلتفت إلى الجموع قائلاً «من لمس ثيابي» (مرقس٥: ٣٠). علت علامات الدهشة والاستفهام وجوه الجموع، بل والإستنكار من البعض، لدرجة أن بطرس تقدَّم معاتبـًا في رفق قائلاً له «يا معلم، الجموع يضيقون عليك ويزحمونك، وتقول من الذي لمسنيّ؟» (لوقا٨: ٤٥). هنا كشف الرب عن لغز اللمسة التي في وسط الزحام الشديد، وإذ بامراة كانت تعاني من نزيف مزمن منذ ١٢ سنة، وتعبت من أطباء كثيرين، فجاءت إليه مرتعبة قائلة له «الحق كله» (مرقس٥: ٣٣).
كل هذا كان على حساب الوقت ويايرس يصارع الزمن، متخوفـًا أن يصل الرب يسوع البيت بعد فوات الآوان. وحدث ما كان متخوفـًا منه، فأرسلت إليه امرأته رسالة «ابنتك ماتت» (مرقس٥: ٣٥). فوقع الخبر على الرجل وقوع الصاعقة في يومٍ ممطر، فاصطكت ركبتاه وانهار صارخـًا في المرأة موبخـًا إياها على تعطيلها للمعلم واسترسالها في الحديث تفصيليـًا كعادة النساء. أجهش بالبكاء، ودارت في رأسه أفكارًا قائلاً لنفسه: لقد خسرت الكل، خسرت ابنتي الوحيدة، وخسرت منصبي نتيجة ذهابي إلى يسوع. ووسط دوامة الأفكار المصحوبة بدموع كثيرة، إذ بالرب يسوع يمد يده الحانية ويربت على كتف الرجل، لا معزيـًا راثيـًا لبلواه، بل مطمئنـًا إياه قائلاً له «لا تخف آمن فقط، فهي تُشفى» (لوقا٨: ٥٠). فوقعت الكلمات على الرجل وقوع «المياه الباردة لنفس عطشانة» (أمثال٢٥: ٢٥). جفف الرجل عرقه وابتلع ريقه وقام على رجليه منتصبـًا. وأخذ يحُث الرب من جديد أن لا يتوانى بل يتجه مسرعـًا معه إلى بيته.
ذهب الرب مصحوبـًا بجمع غفير إلى بيت يايرس ورأى هناك الجمع يضجون ويلطمون لأن الموقف كان عصيبـًا. فدخل إلى غرفة الصبية وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وأبوي الصبية، وأمسك بيدها وقال لها: يا صبية قومي. فقامت في الحال وأمر أن تُعطى لتأكل.
عزيزي القارئ لو عندك مشكلة تعال بها إلى الرب يسوع «فهو هو أمسـًا واليوم وإلى الأبد» (عبرانيين٨: ١٣). وأعظم وأخطر مشكلة هي مشكلة الخطية؛ فتعال بها إليه، ولا تدع المناصب الدينية أو الاجتماعية تحرمك من التمتع بهذا الشخص.