أولاً: العالم في ظلمه حالكة أدبيًا وأخلاقيًا
مما لا شك فيه أن العالم حولنا في أشر وأصعب حالاته الأخلاقية والأدبية، والتي تصفها كلمة الله دائمًا بالظلام. ولاحظ معي الآتي:
١. عمى الخطية: ما أبشع الخطية حينما تتسلط على الإنسان فتُعمي عينيه تمامًا «وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ «(١يوحنا٢: ١١).
٢. ظلام الفكر والذهن: وهذا ما وصف به الروح القدس حالة الأمم في أفسس «إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ» (أفسس٤: ١٨).
٣. سلوكيات شريرة: حذر الرسول بولس المؤمنين الذين قبلوا المسيح في أفسس أن لا يشابهوا الأشرار في سلوكياتهم قائلاً «وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ» (أفسس٥: ١١).
٤. رغبة الناس الشديدة للعيشة في الشر: يقول الرب يسوع بأنه النور الذي جاء إلى العالم، لكن وأسفاه رفضه الناس مفضّلين حياة الشرور عنه، وهذا هو أساس دينونتهم!! «وَهَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يوحنا٣: ١٩).
٥. النهاية المأساوية للأشرار: وهذا ما أعلنه المسيح بالقول «وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَان» (متى٢٥: ٣٠).
وبسبب هذا الظلام البشع الذي يسود حياة البعيدين عن الله؛ فالحاجة مُلحة لمن ينير السبيل ويضيء الطريق أمامهم إلى الخلاص والنجاة. هذا كان غرض الله من دعوة بولس للخدمة «الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِم لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ» (أعمال٢٦: ١٨).
ثانيًا: كيف نكون كمؤمنين نور لهذا العالم المسكين؟!
القمر في ذاته جسمًا معتمًا، لكن سر النور واللمعان فيه، كما نعلم، هو وجوده أمام ضوء الشمس فيعكس نورها. وهكذا الحال معنا؛ فمن ذواتنا نحن كنا قبلاً ظلمة، لكن بارتباطنا بالمسيح أصبحنا الآن «نُورٌ فِي الرَّبِّ»، وهذا بسبب عمل الله في حياتنا «لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا» (٢كورنثوس٤: ٦). لذلك الآن يمكننا كأولاد النور أن نضيء على الآخرين من خلال الوسائل الآتية:
١. الشهادة بالمسيح: فكما سبق وذكرنا، أن هذه هي المهمة التي دعى الرب بولس ليتممها (أعمال٢٦: ١٨). ولقد عمل الرب هذا مع أهل أفسس، فحينما سمعوا الإنجيل أضاء لهم نور المسيح محررًا إياهم من ظلام العدو وأعمال السحر حتى إنهم جمعوا كتب السحر وأحرقوها.
٢. توبيخ الشر دون الاشتراك فيه: تقول كلمة الله «وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا... وَلَكِنَّ الْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِالنُّور» (أفسس٥: ١١، ١٣). إن كان النور من شأنه أن يُظْهِر ما خفي في الظلمة، فهكذا أيضًا عندما تكون حياتنا العملية نقيَّة ومُقدَّسة ومُكرَّسة للمسيح تصبح كالنور الذي يفضح الشر ويبين رداءته، فحياة المسيح فينا لا يمكن أن تشارك الناس في شرورهم، لكنها تُظهر مدي شرهم وتوبِّخه.
والرجال الثلاثة في سفر دانيآل، مثال رائع لعدم الاشتراك في شرور الآخرين عندما رفضوا السجود لتمثال الذهب. كما أن المعمدان كان أيضًا مثالاً للنور الذي أظهر ووبخ شرور هيرودس الملك «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ!» (مرقس٦: ١٨). فهل أنا وأنت كذلك؟!
٣. فليضئ نُورُكُمْ: هذه كانت وصية الرب في عظة الجبل لتابعيه «...لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى٥: ١٦). ما أروع أن تشع حياة المسيح من داخلنا لمن حولنا. لقد طلب المسيح أن نسمح للنور الذي فينا، الذي هو المسيح، النور الحقيقي، أن يظهر للآخرين مُعلنًا قداسته ووداعته ومحبته. وبهذا النور يتمجد أبانا الذي في السماوات. وهذا ما تحقق في مؤمني تسالونيكي «فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضًا قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِاللهِ» (١تسالونيكي١: ٨).
٤. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ: في مدينة أفسس انتشرت كل الشرور اللأخلاقية. واستمع معي لوصف الروح القدس عنهم بالقول «فَقَدُوا الْحِسَّ، أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ» (أفسس٤: ١٩). لكن بولس يحرِّض المؤمنين أن يكون سلوكهم مختلفًا لأنهم أصبحوا في المسيح أولاد النور، فيقول «وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ، وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ» (أفسس٤: ٣، ٥).
ثالثًا: أمور تعطل النور والشهادة في حياة المؤمنين
١. قال الرب يسوع المسيح «لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ» (متى٥: ١٤). فكما أن المدينة المبنية على جبل ظاهرة للجميع، هكذا المؤمنون بالمسيح لهم وضع سماوي عالٍ وراقٍ ليضيئوا للعالم من حولهم. لكن عندما ينزل المصباح ويوضع في الأرض بين الأشياء يختفي النور ويصبح المصباح بلا فائدة!! ليتنا لا ننسى مقامنا ومكانتنا، فعندما نسي بطرس مركزه وشهادته وجلس وسط الجواري والعبيد، انطفأت شهادته وصار يلعن ويسب مثلهم!!
٢. كما أن الرب يسوع أشار إلى أمر آخر، في غاية الأهمية، لاستمرار النور فينا وبنا «وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ» (متى٥: ١٥). أي لا تجعل نور سراجك يختفي تحت السرير(الكسل) أو تحت المكيال (مكاسب العالم) وكلاهما معطل للحياة المضيئة.
٣. أما الأمر الثالث هو ما أشار إليه المسيح بالقول «وَلَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيُغَطِّيهِ بِإِنَاءٍ» (لوقا٨: ١٦). الإناء هو جسدنا، المشغولية الزائدة بجسدي ومتعته وتسلطه عليَّ بكل يقين سيعطل النور.
إخوتي الأحباء، لقد خلصنا المسيح وتركنا هنا في العالم لنضيء للناس معلنين ربنا يسوع المسيح المخلص والنور الحقيقي، فكلما جلسنا أمامه ومعه، انعكس نوره فينا للآخرين. ليتنا نضع أمامنا كل يوم هذا التحريض الإلهي «لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَم» (فيلبي٢: ١٦).