بعد أن رأينا فلسفة اختيار المسيح القائد لتلاميذه، سنُلقي نظرة هنا على مهمتين خططهما لهم، فيهما الكثير من التشابه، لدرجة أن كثيرون يظنوهما واحدة، وفي هاتين المهمتين شرح لتلاميذه استراتيجيته لتحقيق أهدافه، ووضع لهم أيضًا الكثير من مبادئ ملكوته.
المهمة الأولى هي إرسال المسيح لتلاميذه الاثنى عشر للأمة اليهودية، وذُكرت في ثلاث أناجيل؛ متى١٠، ولوقا٩، ومرقس٦، أما المهمة الثانية فهي إرسالية السبعين تلميذًا، وذُكرت فقط في إنجيل لوقا إصحاح١٠.
قبل أن يرسل الرب تلاميذه إلى الناس، كان عليه أن يعدهم نفسيًا لهذا، ليكون لدى تلاميذه الدوافع النقية اللازمة لهذه الإرسالية، بعيدًا عن أي بحث عن مال أو شهرة أو ما شابه. وفي نفس الوقت يعطيهم صورة حقيقية عن الواقع المزمعين الذهاب له، لكي يستطيعوا التأثير فيه، وتأدية مهمتهم على أكمل وجه.
الاحتياج الأهم
ولهذا فقبل أن يرسل الرب تلاميذه في إنجيل متى إصحاح١٠، فإننا نقرأ عنه في نهاية إصحاح ٩ «وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى» (متى٩: ٣٥). فمن خلال جولات المسيح الكثيرة في المدن والقرى، والتي قضاها مشيًا على أقدامه، قابل ليس فقط عدد الناس المحتاجين الكبير جدًا، ولكن أيضًا حجم الضرر الذي فعلته الخطية في البشر. ولكي نعرف ماذا كان يفعل المسيح في تلك المدن والقرى، نقرأ عنه أنه كان «يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا» (متى٩: ٣٥، ٣٦).
فالمسيح لم يقم بهذه الجولات المكوكية من فراغ، ولكنه كان يتفقد احتياجات الناس، ولأنه كان يدرك ترتيب أولوياتها، فكان يهتم بتسديد احتياجات الناس الروحية أولاً؛ من كرازة وتعليم، قبل احتياجاتهم النفسية من حنان وأمان، وقبل احتياجاتهم الجسدية من شفاء للأمراض، وهذا عكس إنجيل الرخاء المزعوم، الذي هو ليس فقط ضد مبادئ كلمة الله، ولكن ضد احتياجات الناس أنفسهم.
الفعلة قليلون
وبعد أن شرح المسيح لتلاميذه حالة الناس، وبعد أن شرَّحهم روحيًا ونفسيًا، نقرأ «حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ» (متى٩: ٣٧). وهذه المعادلة ما زالت قائمة حتى الآن؛ فمهما ازدادت النشاطات الروحية، وانتشرت الحملات الكرازية، وتكاثرت القنوات الفضائية سيبقى الاحتياج الروحي أكبر من المتاح.
وهنا ينبه المسيح القائد تلاميذه، إلى أن مشكلة الكرازة والخدمة ليست فقط في كثرة الناس، ولا في سوء حالتهم الروحية والأخلاقية، لكن المشكلة الحقيقة هي ندرة الفعلة المخلصين، الذين ينطلقون في أطراف الحقل بكل همة ونشاط، دون كلل أو ملل، ويكون الواحد فيهم بألف والاثنين بربوة، وحينها يأتي المجد والحصاد لصاحبه الوحيد؛ الله.
ولأن المسيح لا يوصِّف فقط المشكلة لكنه يصف الحل اللازم لها، فقال لتلاميذه بعدها: «فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ» (متى٩: ٣٨). وللأسف فقد فهم الكثير من المؤمنين الآية السابقة بشكل خاطئ، وظنوا أن كل مسؤوليتهم أن يطلبوا من الرب أن يُرسل فعلة(خدام) غيرهم لحقله، وكأن الأمر لا يخصهم أبدًا.
كم من أخطاء وقع فيها الكثيرون.. البعض اكتفى بالصلوات أو التبرعات لغيره.. والبعض الآخر تصارع على حقل إعلامي يقتات منه.. أو حقل أجنبي يستسهله.. والبعض زاحم غيره في رؤياه؛ ففقد هويته وطعمه.. وكلهم خابوا من رؤيتهم... لأنهم تجاهلوا الحصاد الكثير المجاور لهم!!
أنتم الفعلة:
ولكن من يقرأ العدد التالي في إصحاح ١٠ من إنجيل متى، سيكتشف غرض المسيح الحقيقي من وراء هذا الطلب، فنقرأ «ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ» (متى١٠: ١)؛ فالمسيح كان يريد أن يرسل تلاميذه أنفسهم وليس أن يرسل غيرهم!!
ولكن لماذا قال لتلاميذه: «اطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده»؟! الإجابة المتاحة أن المسيح كان يريد من تلاميذه أن يشعروا بالمشغولية اللازمة للإرسالية قبل أن يذهبوا إليها، وأن تُفتَح أعينهم على الاحتياج الشديد حولهم وعلى دعوة الله لهم، وذلك لا يتم إلا عبر الصلاة(الطلب من رب الحصاد) أن يتراءف ويتحنن ويفتقد ويُرسل فعلة لحصاده، وحينها لن يكون هناك من هو أفضل ممن طلب من الله هذه الطِلبات ليرسله.
وهنا تذكرت قصة الممرضة الأسترالية، التي علمت باحتياج مستشفى في الأردن لممرضة في ذات تخصصها، فجلست شهور تصلي لكي يرسل الرب ممرضة للأردن، وبعد فترة أجابها الرب: سأرسلك أنتِ، فأطاعت الصوت، وذهبت لهناك، وقضت أكثر من ستون عامًا هناك، في خدمة روحية وطبية فريدة، وكُرمت من الدولة الأردنية، وأطلقوا عليها ”فأرة الصحراء“.
عزيزي كم من أفكار رائعة ألقاها الله في قلبك، ولكنك انتظرت أخ يشجعك أو ظروف تدفعك، أو طلبت من الله أن يستخدم فيها غيرك، فدفنتها تحت أنقاض سنينك. صدقني طالما أنت تصلي لأجل هذا الأمر، فالله سيستخدمك أنت، مهما كانت إمكانياتك، وستكون أنت الرائد PIONEERلرؤيتك. فقط ضع ما لديك في يد إلهك، وانتظر العجائب التي سيصنعها الله فيك ومعك وبك.