مثل شهير بالعامية المصرية، معناه المباشر “لا تحسب كثيرًا للغد فالغد له رزقه”. لكنه كثيرًا ما يُساء تفسيرهُ واستخدامه للميل بالشخص إلى “القدرية” أي “انتظار ما يأتي به القدر” أو ما يسميه المصريون “القسمة والنصيب” دون أدنى تحمل لمسؤولية في الاستعداد للغد. وآخرون يسيئون استخدامه فيميل بهم إلى الإسراف والثقافة الاستهلاكية دون حكمة.
وإن كان على الجانب الإيجابي فهو يتوافق مع قول الرب «لاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ». وما قاله الرب لا يسندنا على أي شيء من القدرية، بل على إدراكنا لأن «أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ» وهو الذي لم يقصِّر يومًا في رعاية الطيور والزهور. كما أنه لا يدعونا للكسل والتواكل بل للاهتمام بما هو أهم «اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ». فبقراءتنا الجزء كله (متى٦: ٢٥-٣٤ ) نفهم أن الرب يوجهنا أن نهتم بما هو أبقى وأكثر أهمية، عالمين أن الله لن يتركنا للعوز والاحتياج، بل هو يهتم بأدق التفاصيل؛ فلا داعي إذن للانشغال بمثل هذه الأمور.
لكن الكتاب المقدس – من جانب آخر – يحذِّرنا من الكسل وعدم تحمل المسؤولية. فاسمع مثلاً ما قاله الحكيم «نَفْسُ الْكَسْلاَنِ تَشْتَهِي (اليوم) وَلاَ شَيْءَ لَهَا (غدًا)، وَنَفْسُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسْمَنُ... اَلْكَسْلاَنُ لاَ يَحْرُثُ بِسَبَبِ الشِّتَاءِ، فَيَسْتَعْطِي فِي الْحَصَادِ وَلاَ يُعْطَى...» (أمثال ١٣: ٤؛ ٢٠: ٤). والكتاب بطوله يعلِّمنا أن غدًا وما سنحصده فيه يبدأ اليوم بما نزرعه، فمن منا ينسى القول الأشهر «فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية٦: ٧)، «مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ» (٢كورنثوس ٩: ٧).
وبصفة خاصة عندما نأتي للإنفاق، فعلينا أن نتذكر أننا وكلاء على ما أعطانا الله من مال ومقتنيات وصحة ووقت وعلم ومهارات. علينا أن نتصرف في الكل على اعتبار أننا قريبًا سنسمع القول «أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ» (لوقا١٦: ٢)، وهنيئًا لمن سيسمع من فم السيد يومها «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متى٢٥: ٢١، ٢٣).
نعم لنا أن نستند على صلاح إلهنا وأمانته، فمتى أتى الغد سيكون الله هناك مُهتمًا بنا كأمس واليوم. لكن في الوقت ذاته علينا أن ندرك مسؤوليتنا ونتحملها ونتصرف كوكلاء أمناء على ما أعطانا الله.