المسيحية ليست ديانة يعيش الإنسان تحتها مُرغَمًا على فعل، أو عدم فعل، الأشياء. بل هي حياة جديدة يعيشها المؤمن عكس تيار العالم وهو سعيد. إذ أنه شخص سماوي له طبيعة إلهية تظهر للآخرين كثمر لإيمانه، وبدافع المحبة للرب وللآخرين. حياة يتحتم على المؤمن أن يحياها ويظهرها في جوانب حتمية، نلخص بعضها في الآتي:
١- حتمية طاعة الله
«نْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال٥: ٢٩).
هذا ما قاله بطرس والرسل لرئيس الكهنة في المجمع، ردًّا على محاولات منعهم من التكلم بكلام الحياة، والتعليم باسم الرب يسوع. فالقضية هنا أن الكهنة ومجمع السنهدريم حكموا على يسوع بالقتل، لكن الله أقامه من الأموات ناقضًا حكم الموت وهذا وحده يسقط ويلغي حكمهم. فبطرس ورفاقه هنا يطيعون ما عمله الله – أي قيامة المسيح – أكثر من طاعتهم لما عمله الناس – قتل المسيح - فالطاعة هنا هي الإيمان بالرب يسوع الذي مات وقام والذي وحده يعطي التوبة وغفران الخطايا. وطاعته أيضًا تظهر في الشهادة له ولنعمته.
والدرس: بين أيدينا الإنجيل – الخبر السار – ونحن مطالبون أن نتمسك به ولا نتبع خرافات مُصنعة ولا نسمع لكلام الناس قبل أن نتأكد أنه يتوافق مع كلام الله. أيضًا أن ننشر هذا الخبر السار للآخرين وندعوهم «تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ».
٢- حتمية الألم
«يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (أعمال١٤: ٢٢).
هذا ما قاله بولس وبرنابا في لسترة وأيقونية بعد أن تعرض بولس للرجم حتى ظن الجميع أنه مات. ولكن إذ أحاط به التلاميذ قام ودخل المدينة وشدد ووعظ التلاميذ. وطبعًا لا يقصد بولس هنا أن الإضطهادات والضيقات تؤهل الإنسان لدخول ملكوت الله. إنما الإيمان بعمل المسيح والولادة الجديدة بهما ندخل الملكوت، وبعدها يصبح الطريق مملوءًا بالاضطهاد. وكأنّ بولس تذكر هنا ما قاله الرب يسوع عنه لحنانيا «لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي «(أعمال٩: ١٦).
والدرس: قال الرب يسوع من البداية «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ« (يوحنا١٦: ٣٣). فلا يوجد وعد بأن طريقنا مفروش بالورود. بل على تابعي المسيح أن يحمل كل منهم صليبه. لكن الرجاء الذي ينتظرنا يشددنا لنثبت في إيماننا ونكمل مشوارنا.
٣- حتمية الحياة بلا رياء
«وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ» (متى٢٣: ٢٣).
المرائي هو من يُعلِّم بغير ما يعمل. ويقول بغير ما يؤمن ويعتقد. فقد تمادى الكتبة والفريسيون في تطبيق الناموس، واهتموا بأمور تافهة، وسقط من حساباتهم ما يخص الرحمة والعدل والإيمان الصحيح. وهذا ما قاله لهم قبلاً النبي ميخا «قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ» (ميخا٦: ٨). والرب لا يدينهم هنا على حرصهم وتدقيقهم على تعشير حتى أتفه الأعشاب، بل لأنهم يكونون بلا ضمير عندما يتطلب الأمر إظهار الرحمة والعدل والأمانة للآخرين. فالرب الذي أمرهم بالعشور هو أيضًا من أوصاهم «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».
والدرس: سهل علينا أن ندين غيرنا ونثبت له عيوبه وتقصيره من المكتوب، وأن نعلِّم ونعظ بأهمية العيشة والسلوك بحسب الحق. حسنًا. ولكن ألم يعلمنا الكتاب أيضًا أن نحب الآخرين ونرحمهم ونفتقدهم في ضيقاتهم؟ أم لأن هذا مكلِّف فنعزف عنه؟ انظروا إلى مثالنا العظيم ربنا يسوع الذي كان يفعل ثم يعلم.
٤- حتمية حياة النمو
«لأَنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ» (عبرانيين٥: ١٢).
هذا هو قصد الرب من جهة المؤمنين، لا أن نكتفي بخلاصنا وعبور الدينونة عنا. بل أن نتقدَّم، لا إلى مستوى معين، بل إلى الحد الذي معه نكون معلِّمين للآخرين. ونستمد هذا من الصورة الجميلة التي رسمها الرسول بولس في الأقوال السابقة عن جلال وعظمة كهنوت الرب يسوع الذي تألم وقام وارتفع ليصير رئيس كهنة إلى الأبد. ثم يعلن لنا ما نحتاج أن نعرفه وندركه، ونحن نرى ليس فقط مجد المسيح بل أيضًا مركزنا كساجدين في الأقداس السماوية. أمور نستمد منها القوة اللازمة للتغلب على التجارب التي في طريقنا. كلنا نذكر بهجة الخلاص والنشاط الروحي في بداية الإيمان، لكننا تأخرنا وفقدنا البصيرة الروحية وصار فهمنا بطيء وتبدَّلت الحالة الروحية بأنشطة جسدية وممارسة الطقوس الدينية.
والدرس: كم نحتاج أن نتقدَّم للأمام حتى لا نتراجع كثيرًا، وأن نرتفع لأعلى ونطلب ما فوق حتى لا نهبط أكثر من ذلك. وأن ننمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسو المسيح.