قال سير فيلب جيبس: “لو خرجت إلى الشارع وعرفت أن الغازات السامة قد ملأت المدينة، فلن أمد يدي وأمسك القناع لأخفي وجهي به، بل سأتنفس بعمق لآخذ كمية ضخمة من الغاز السام لأني حينئذ سأعلم أن البشرية قد انتهت”.
بدأت معكم أعزائي الشباب بهذه المقدمة بعد أن ملأني الشعور في الفترة الماضية أن غالبيتنا أصبح مثل هذا الرجل الممتلئ فشلاً وإحباطًا للدرجة التي يستسلم فيها للموت بكل بساطة لمجرد أن الغازات السامة قد ملأت المدينة. أشعر في كلماته باليأس، والتسليم، والفشل. هو ليس على استعداد أن يقاوم ولو قليلاً لعل الغاز ينقشع، أو يأتي من ينقذه. بل على العكس هو اتخذ قراره بأنه لو شعر أن الغاز السام قد انتشر فهو حتى لن يتنفس بطريقة عادية بل سيتنفس بعمق ليأخذ أكبر كمية ممكنة من الغاز السام؛ معجلاً بموته. يا له من قرار غير حكيم، قرار يؤكد أن الإحباط وصل في قلب ذلك الرجل إلى قمته. صار لا يأبه بالموت، بل يُسرع الخطى نحوه!
أشعر في هذه الأيام أن كثيرون من الشباب أصابهم ذات اليأس؛ أصبحوا يسيرون مع تيار الشر السائد، بل ربما هم يُسرعون نحوه بلا تردد. صاروا يفتخرون بكل ما هو غريب، اقرأ كثيرًا في كتاباتهم على صفحات التواصل الإجتماعي عبارات ينبعث منها الكثير من السلبية، والفشل، والإحباط. بعضهم يُصيغها في قالب من الضحك، والسخرية. وآخرون يكتبونها في صورة خواطر وأفكار، ومنهم من يكتبها كأسلوب حياة قرر أن يعيش به في حياته.
لا أنسى ذلك الشاب الذي كتب يومًا أنه يشعر بفراغ رهيب للدرجة التي تجعله على استعداد أن يفعل أي شيء يُطلَب منه في تلك اللحظة. وانهالت التعليقات ما بين الدعوة للسهر، والبحث عن أي شيء ينفِّث فيه توتره وعدم إتزانه، ولم يخلو الأمر من بعض الإقتراحات بتجربة أنواع جديدة من الدخان، والمخدرات على سبيل الدعابة. لكن من يدري، فقد كان ذلك الشاب على استعداد أن يفعل أي شيء ليخرج من حالة الفراغ الذي وصل إليه.
أدعوك اليوم لتكون مختلفًا. لا تكن كبقية الشباب الذين يسيرون كيفما اتفق، أو ينطلقون في الطريق الذي يسلكه بقية رفقائهم دون تفكير أو وعي. يركضون وراء كل تجربة أو فكرة غريبة، ويُسرعون الخُطى خلف كل مبدإ شاذ يخرج من قلب العالم الفاسد الشرير.
كن مُختلفًا بأخلاقك، وبإيمانك، وبإتكالك على الله. كن مُختلفًا بصدقك وسط عالم كاذب، بابتسامتك وسط عالم حزين وبائس. وبينما الآخرون ينطقون بكلمات الفشل والإحباط، اجعل أنت كلمة الله في فمك، فتنطق بكل ما هو مُلذ، وطيب. بينما الآخرون يخافون من الغد، كن أنت واثقًا ومتكلاً على إلهك العظيم القادر على كل شيء.
كن كيوسف الذي عاش في قلب مصر، وكان سيدًا عليها؛ لكنها لم تتسلط عليه يومًا. كن كدانيآل الذي وضعته الظروف في قلب العبادة الوثنية، لكنه وضع في قلبه ألا يتنجس بشيء منها (دانيآل١: ٨). كوني كالفتاة المسبية التي سُبيت إلى أرض بعيدة لا تؤمن بالله، لكن قلبها ظل مسبيًا في الله، واستطاعت بكلمات بسيطة أن تصنع أمورًا عظيمة مع سيدها نعمان السرياني (٢ملوك٥). كوني كمريم التي اختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها (لوقا١٠: ٤٢). كن كبولس الرسول الذي اختار بإرادته أن يُلقي بكل ربح زائف، معتبرًا إياه نفاية لكي يربح المسيح (فيلبي٣: ٧).
إن كنت ممن يشعرون بأن الحياة أصبحت بلا معنى، وإن كنت تُفكر كثيرًا في الموت، أدعوك الآن أن تسلك مسلكًا آخر سيجعلك ترى نفسك بصورة صحيحة، وتحب الآخرين، بل وتنظر للحياة بصورة مختلفة. أدعوك الآن أن تُلقي بنفسك في أحضان إلهك المحب الذي يبحث عنك لكي يُريحك من أتعابك. هو ينتظر رجوعك؛ لكي يملأ قلبك فرحًا وراحة. تعال الآن إليه، وكن مختلفًا.