لا تتعجب يا صديقي، لم أخطئ اختيار عنوان مقالي. أدرك تمامًا أن اللتر هو وحدة قياس السوائل وليس الضوء، لكنني أقصد هنا المبادرة العالمية “لتر من النور (Liter Of Light)”، والتي تهدف لتوفير الإضاءة لمن يعانون من انعدام الكهرباء، عبر حلول صديقة للبيئة، تعتمد على الطاقة الشمسية وبعض المواد البسيطة. أسس “لتر من الماء” الفليبيني “ايلاك دياز” في أبريل ٢٠١١، وتطورت من خلال “الفريدو موسر” البرازيلي الذي استخدم الزجاجات البلاستيكية لتوفير إضاءة داخلية من ضوء النهار.
تعتمد فكرة دياز على استخدام الزجاجات البلاستيكية بسعة - لتر أو لتر ونصف - الممتلئة بالماء المضاف إليه قليل من مادة الكلور، يتم تثبيتها بإطار معدني في أسطح البيوت، مما يسمح بإيصال ضوء النهار للغرف المعتمة، وتساعد في إدخال الضوء إلى بيت عانى من الظلام ولا يستطيع تحمل تكلفة الكهرباء الباهظة، بقوة تقارب قوة لمبات الفلورسنت، وبتكلفة شبه معدومة، والأجمل هو إعادة تدوير مخلفات قد تلوث بالبيئة، لتصير نافعة في إنارة حياة الكثيرين. تطورت الفكرة لبناء مصابيح إضاءة ليلية باستخدام الطاقة الشمسية حيث توضع شريحة خلايا شمسية دقيقة داخل الزجاجة البلاستيكية فتشع الضوء بقوة خلال الليل.
ومن المشجع أن المبادرة بدات في الفلبين عام ٢٠١١ بواسطة شاب بسيط وطموح، بهدف مساعدة المتضررين من الأعاصير التي تضرب بلاده، معتمدًا على استخدام مواد رخيصة ودائمة ومتاحة بسهولة لإنتاج إضاءة طبيعية عالية الجودة صديقة للبيئة وبأسعار معقولة؛ إلا أنها تحولت لجمعية تعمل في أكثر من دولة حول العالم، من بينها مصر.
أُعجبت جدًا بإختراع “إيلاك دياز” وفكرة لتأسيس مبادرة “لتر من الضوء” خاصة إنه استطاع الحصول على النور من مصدر طبيعي وبتكلفة بسيطة جدًا غيرت من إسلوب حياة الكثيرين في شتى أنحاء العالم، لذا دعوني أشارككم ببعض النقاط الرئيسية التي تعلمتها من قصتنا:
١- أهمية النور
يلعب النور دورًا حيويًا وهامًا في تطوّر حياة الإنسان، تخيل معي ولو للحظات غياب نور الشمس نهارًا ونور الإضاءة ليلًا، كم ستكون حياتنا كئيبة غير آمنة وليست متجددة إذ أننا نعيش في ظلام باستمرار. كذلك يعلمنا الكتاب المقدس أهمية النور لحياتنا، فأول أعمال الله في الخليقة كانت النور «قَالَ اللهُ: “لِيَكُنْ نُورٌ”، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا» (تكوين١: ٣-٥). فالنور حلو وهام ويساعدنا على استيضاح الأشياء، ويشغل جانبًا هامًا جدًا بطول الكتاب وعرضه. فالله نفسه «نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (١يوحنا١: ٥). وبالتالي فإن كلمته ووصاياه نور «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مزمور١١٩: ١٠٥). ليساعدنا الرب أن نحفظ كلامه وننمو في العلاقة معه ومعرفته كالنور الحقيقي الذي يضيء كل جوانب وخطوات حياتنا «لأَنَّكَ أَنْتَ تُضِيءُ سِرَاجِي. الرَّبُّ إِلهِي يُنِيرُ ظُلْمَتِي» (مزمور١٨: ٢٨).
٢- الانتقال من الظلمة إلى النور
قال الرب يسوع عن نقسه «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». (يوحنا٨: ١٢). فقد جاء المسيح لينير ظلام العالم وشروره، لكن للأسف لم يقبله العالم فرفضه، احتقره بل صلبه «النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يوحنا٣: ١٩). لكن تظل قوة تأثير نور المسيح وعمله على عود الصليب تمتد على مدار كل العصور والأماكن، إنني أقف مندهشًا فعلاً أمام قوة محبته وروعة نعمته وسلطان كلمته المحررة، والتي غيَّرت مسار حياتي تمامًا، أنا ومعي الكثيرين، بمجرد إشراق نور خلاص المسيح في قلوبنا وعقولنا، لنتبدل من تخبطنا في طرق الظلمة إلى طريق النور «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلًا ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ» (أفسس٥: ٨). يا ليت القارئ العزيز يكون قد اختبر نور خلاص المسيح في كل جوانب حياته.
٣- دوائر إشعاع النور
لقد وضع الرب يسوع المسؤولية على أتباعه قائلاً «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ» (متى٥: ١٤)، إنه لامتياز عظيم لنا أن يستخدمنا الرب لننير ظلام العالم. وهناك مجالات عديدة يعلمها لنا الكتاب المقدس لكي ما ننير فيها، ومنها:
محبة الإخوة «مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ، وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ» (١يوحنا٢: ٩، ١١)، لذا دعونا نُمكِّن المحبة النقية والمقدَّسة ليشعّ نور المسيح الذي فينا في وسط عالم مغلَّف بالبغضة والكراهية والأنانية.
الأعمال الصالحة «فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ» (رومية١٣: ١٢). خلع “أعمال الظلمة” أي التوبة عن الأعمال الشريرة، و“لبس أسلحة النور” يعني ممارسة الأعمال الصالحة والمرضية لدي الله والتسلح بسلاح الله الكامل (أفسس٦) لإظهار ثمر الروح القدس.
السلوك اليومي «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلًا ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ» (أفسس٥: ٨). ما أحلى وأقيم السلوك في النور في معاملتنا اليومية سواء المادية، الروحية، المهنية، الأسرية، ...
كلما ازدادت الظلمة يزداد احتياجنا للنور، فإن الظلام الحالك للطريق المظلم والمخيف ليلاً يمكن أن ينتهي تمامًا بمصابيح مُنيرة، لذا دعونا نكون تلك المصابيح المنيرة لذلك العالم المظلم والموضوع في الشرير، مستمدين نورنا من مصدر النور الحقيقي للعالم «لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا» (مزمور٣٦: ٩).
أخيرًا تذكر يا عزيزي إنه لكي ما تضيء زجاجات المياة ليلاً كان عليها أن تتعرض لضوء الشمس صباحًا وتتشبع من قوة نورها “مجانًا” لكي ما تنير حياة الكثيريين ليلاً، فهل نحن مستعدون “للتشبع” بنور المسيح فننير حياة الكثيريين من حولنا «لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيل مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ» (فيلبي٢: ١٥).
صلاة: سيدي الغالي المسيح، شكرًا لمحبتك وحنانك إذ بحثت عني وأنا تائه في طرق الشرور، حتى افتقدني نعمتك وغيَّرت مسار خطواتي من الظلمة للنور، من يومها قلبي اختبر المعنى الحقيقي للسرور، إنني مديون لشخصك على مَرِّ العصور، ساعدني أشهد عن عملك مهما العمر بي يدور.