تقابلت مع شبان نابهين متقدي الذكاء، لكن كنت أرى من واقع حديثي معهم أن الحيرة ملأت عيونهم، وسهام الضجر والإحباط قد رشقت قلوبهم الصغيرة، فأطفأت حماستهم، وتسلل الشعور بعدم الرضا إلى قلوبهم، فأصابت رؤوسهم بالأرق، بل أزعجت وشتتت أفكارهم. كل إنسان يستيقظ من نومه، يبدأ يومه، ولديه توقعات متعلقة بالعديد من نواحي الحياة؛ الآباء والأمهات لديهم توقعات من أبنائهم، والأبناء لديهم توقعات من آبائهم وأمهاتهم. الأزواج والزوجات أيضًا، كل منهم لديه توقعات ينتظرها من شريك حياته.
التوقعات غير المُحقَّقة تُسبِّب الإحباط
تفاصيل الحياة اليومية تمتلئ بالتوقعات. وبقدر ما تكون التوقعات عظيمة وعالية، يكون الإحباط شديدًا في حال عدم حدوثه. قد يختبر ذلك الشعور شاب تم تكليفه بخدمة معينة أو عمل محدَّد، سبق وأعد له العدة وتهيأ نفسيًا لإنجازه بإتقان. توقع النجاح الباهر الذي يلفت أنظار الناس له، ثم يفاجأ بأداء فقير، بدَّد كل توقعاته الجميلة من الشعور بالإنجاز أو مديح الناس. هذه ليست سوى أمثلة للعديد من التوقعات التي تملأ قلوبنا وأذهاننا كل يوم وهي التي نبني عليها مشاعرنا. في الحقيقة يمكن أن نستبدل كلمة انتظاراتنا أو توقعاتنا أو آمالنا بكلمة تحمل ذات المعنى في لغة الكتاب المقدس وهي “الرجاء”. ما نرجوه وننتظره له تأثيره المباشر على مشاعرنا.
الانتظار المؤلم أم الانتظار المثمر؟!
التوقعات قد تكون مبنية على أساس هَشٍّ وواهٍ؛ على شيء (أو شخص) غير مضمون، إمكانياته غير مضمونة ومواعيده غير مضمونة ومشاعره غير مضمونة. وحين تطول فترة الانتظار دون أن يتحقق ما هو مرجو يتسلل الضيق والاكتئاب للقلب، وهذا ما يسميه الكتاب: “الرَّجَاءُ الْمُمَاطَلُ”. «الرَّجَاءُ الْمُمَاطَلُ يُمْرِضُ الْقَلْبَ، وَالشَّهْوَةُ الْمُتَمَّمَةُ شَجَرَةُ حَيَاةٍ» (أمثال١٣: ١٢).
مثال للرجاء المُمَاطَل: شاب ذهب إلى وكالة توظيف، وأعطوه وعدًا بتوفير وظيفة في إحدى دول الخليج، ومرت الأيام والشهور، بل وعدة سنوات دون أن ينال مطلبه. في كل مرة كان يذهب ليسأل كانوا يعطونه ردًا يُوحي بوجود أمل أن تحين الفرصة قريبًا، لكنها لم تأتِ. وكم من الشباب الذي يحلم بالهجرة، وحاول محاولات مضنية، وأخفق في النهاية، فانزلق بعضهم في مزالق الشعور بالفشل وخيبة الأمل.
إن كنت تشعر بالإحباط وخيبة الأمل، ضع ثقتك ورجائك في الإله الحي «انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ» (مزمور٢٧: ١٤)، «انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ» (مزمور٣٧: ٧). «اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء٤٠: ٣٠، ٣١)، ولقد وعد سَيِّدنا: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لاَ يَخْزَى مُنْتَظِرُوهُ» (إشعياء٤٩: ٢٣).
عزيزي الشاب: لا تندب حظك لأن الله سمح أن تعيش في هذه البلد التي نشأت فيها، وشاء أن تجتاز في هذه الفترة التي ساد فيها الفوضى وعدم الأمان وعدم الاستقرار، وطفح فيها الشر والإنفلات الأمني والأخلاقي بلغ أسوأ درجاته. لا تضع رجاءك على تغيير مرتقب، بل إلقِ رجاءك على الله الحي الذي يمكن أن يُخرج من تلك الأوضاع المقلوبة خيرًا لك، وليستخدمك كي تمجِّده بطريقة خاصة في الظروف غير المواتية.
مرارة الشعور بالحرمان وحلاوة الشكر والامتنان
أخي يا من ضقت ذرعًا بإحساسك بالصغر وقلة القيمة ومحدودية النفع. يا من تذمرت مرارًا على ملامح وجهك ولون بشرتك. لا يعجبك قوامك أو مشيتك. يا من ترى في عاهتك أو علَّتك أنها سر تعاستك. أدعوك أن تحول نظرك عن ضعفك وما ينقصك أو تظن أنه يعيبك وركز نظرك على الرب الصالح الكريم والحكيم وحده الذي لا يخطئ، كما أنه يمكن أن يمنح جمالاً أدبيًا ويعطي نعمة تفوق في جاذبيتها أي جمال طبيعي منظور.
أختي العزيزة: قد تكون اللحظات التي تقضينها أمام المرآة ثقيلة، حيث تدور في رأسك أفكار وأسئلة تجعل بقية يومك يمر كئيبًا. ربما قضيتِ أوقاتًا بمفردك تفكرين في آراء الآخرين السلبية عنك سواء عن مظهرك أو شخصيتك أو حتى نظراتهم التي أحيانًا تكون أقسى من الكلمات.
ربما تتذكرين تعليقًا جارحًا سواء بقصد أو دون قصد يجعلك تشعرين بالمرارة الشديدة التي تطفو على السطح فتجعلك تفضلين الانطواء وتكثرين البكاء. وصار ذلك مع الأيام همًّا ثقيلاً على مشاعرك؛ دفعك تارة إلى التلهف إلى عبارات الإطراء والمديح وتارة أخرى للهروب من الناس كلية. لكن الذي يجعل الأمر محيرًا والجرح غائرًا هو عتابك الدائم على الرب الذي تظنين أنه قد حرمك من امتيازات قد أعطاها للأخريات. ربما سألت نفسك مرارًا، هل كان الأمر صعبًا على الرب أن يجعلني في صورة أجمل وحال أفضل؟ كيف أشكره على عطاياه التي هي دائمًا صالحة بينما لا أقبل ما أعطاه لي؟ كيف أشهد عن حبه وفي قلبي مرارة نحوه؟!
ضغطات الفخاري لتشكيل الإناء
ربما لا تصف العبارات حقيقة المشاعر والخواطر التي تملأ قلبك، كما أني أعلم أن ما أكتبه من أفكار وتأملات في ذاتها لن تصنع تغييرًا إن لم تدفعك نحو حضن إلهنا الصالح الحكيم. لا شك أن هذه الخواطر قاسية وتقود النفس للإنحناء والانطواء وتفتقر للبهجة والقوة. ما أكثر الذين أتعبتهم الحيرة والشفقة على الذات في وقت من الأوقات. كما أن تلك الأفكار الموجعة مؤقتًا هي في حد ذاتها بمثابة أدوات في يد الفخاري العظيم؛ يستعملها بأطرافها الحادة لكي يكسر كل كبرياء فينا، سواء كان ظاهرًا أو دفينًا، ويحليَّنا بالاتضاع الجميل، ويحمينا من الغرور البغيض. ليتنا نقبل هذه التدريبات الإلهية بشكر وصبر. لنثق أن الرب يستخدم كل الأشياء (بما فيها من حرمان ومحبطات) ليحقِّق قصده الصالح في حياتنا.