طُلب مني أن أتحدث عن التغيير، فوجدت أنها عملية في غاية الصعوبة، فـ«هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟» (إرميا١٣: ٢٣)، فإن كنا لا نستطيع أن نغير جلد الكوشي أو رقط النمر، فكيف يمكننا أن نغير قلوب البشر؟؟
لا تُروّض
إن طبيعتنا لا تُروّض، قال مودي إن اللص الذي اعتاد أن يسرق “صواميل” عربات السكة الحديد لو رفعت من مستواه التعليمي وأدخلته الجامعة لكيلا يسرق، فإنه بعد تخرجه لا يسرق “الصواميل” فقط، بل سيسرق القطار كله، فهو سيستخدم رقيه وتعليمه لسرقات أكبر، ألم يتهذب موسى بكل حكمة المصريين وعلمهم؟ فماذا فعلت الحكمة؟ القتل! (خروج٢: ١٢).
يقول الحكيم أيضًا: «إِنْ دَقَقْتَ الأَحْمَقَ فِي هَاوُنٍ بَيْنَ السَّمِيذِ بِمِدَقٍّ لاَ تَبْرَحُ عَنْهُ حَمَاقَتُهُ» (أمثال٢٧: ٢٢). إن من يريد أن يسيطر على أهوائه ويكبح جماح شهواته، بقوته الشخصية كمن يأمل في أن يمسك رياح الشمال في قبضة يده. هذا عمل أعظم من قدرة الإنسان والحاجة هنا ماسة إلى الله.
مشكلة
يقول كثير من الشباب: إننا في المؤتمرات ننتعش ونفرح ونشعر وكأننا في السماء، ولكن بعد أن نعود لبيوتنا سرعان ما نعود للخطية ونتمرغ فيها.
ولهؤلاء المخلصين ورفقائهم نقول:
القطة مخلوق لطيف، تنظف نفسها بلسانها ومخالبها! لكن هل رأيت خنزيرًا ينظف نفسه؟ أعتقد إنه أمر ضدّ طبيعة الخنزير، إنه يُفضّل، ويحب، أن يتمرّغ في الوحل. مهما نظفته. والطريقة الوحيدة التي تجعل الخنزير يغسّل نفسه هو أن تحوله إلى قطة.
لذلك ما أعظم التغيير الذي يجريه الرب فينا، قال أحدهم بعد تجديده: “إما أن العالم كله تغير، أو إنني أصبحت شخصًا آخر”. والحقيقة أن الرب يقدّم لنا خلاصًا كاملاً، لا خلاصًا مشوهًا، فهو لا يبررنا ويخلصنا فقط، بل ويقدسنا أيضًا. لقد أتى المسيح ليخلصنا من الخطية في اتجاهات ثلاثة:
١. أتى ليزيل عقاب ودينونة الخطية في الماضي.
٢. ولكي يُبطل قوة وسلطان الخطية في الحاضر.
٣. وأخيرًا يزيل وينهي وجود الخطية في المستقبل.
الخلاص في الماضي
الخلاص معناه “النجاة”، فمن يخلص من الغرق فهو “نجا من الغرق”، وحين ينال الإنسان الخلاص ينجو من عقاب خطاياه.
«لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية٦: ٢٣). «الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا» (كولوسي١: ١٤).
وبهذا يخلص المؤمن نهائيًا من دينونة الله القادمة. كما هو مكتوب: «إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رومية٨: ١).
والسبيل لهذا الخلاص هو قول السيد: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاة» (يوحنا٥: ٢٤).
الخلاص في الحاضر
يقول الكتاب عن المؤمنين «لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا» (تيطس٣: ٣-٦). «إذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (٢كورنثوس٥: ١٧). «الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ» (أفسس٤: ٢٤). إنه الميلاد الثاني، أو الخليقة الجديدة.
طبيعتان
قبل أن نولد من الله كنا نعيش بطبيعة واحدة ورثناها من آدم. ولكن عندما نولد منه يمنحنا طبيعة جديدة، وهناك صراع دائم بينهما «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ» (غلاطية٥: ١٧). فالقديمة تحب الخطية وترفض الخضوع لله، والجديدة تريد أن تعمل مشيئته.
نصان
يبدو وكأنهما متناقضان:
الأول: «إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا» (١يوحنا١: ٨ و١٠).
والثاني: «كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ» (١يوحنا٣: ٩).
والحقيقة أنه لا تناقض. فالخطية التي يسقط فيها المؤمن تنبع من طبيعته القديمة، والحياة المنتصرة تنبع من الطبيعة الجديدة التي لا تستطيع أن تخطئ. والخلاص من سلطان الإنسان العتيق خلاص مستمر «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!» (رومية٥: ١٠).
والقول:
«تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ» (فيلبي٢: ١٢) لم يقصد به خلاص الفداء، فهذا قد تم مرة وإلى الأبد، بل يعني أن نتمم خلاصنا من سيادة الإنسان العتيق فينا، وذلك بإعطاء الروح القدس مركز السيادة في حياتنا «وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رومية٨: ١٣).
الخلاص في المستقبل
«فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي٣: ٢٠-٢١). «نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا» (رومية٨: ٢٣).
لذلك دعه يغيِّرك الآن
إن الإصلاح والتهذيب الاجتماعي والديني لا يغيّر قلبك، الرب فقط هو الذي ينزع القلب الحجري منك، ويعطيك قلبًا لحميًا. فإن كنت كشاول قاسيًا ومجدفًا ومفتريًا، ستصبح كبولس لطيفًا لينًا وطريّا، فقط ثق فيه، وستنعم بالتغيير والحياة الجديدة، النظيفة والسعيدة.