صحيت في يوم على أيد الملك بتخلعني وترُدني في إيد شاب صغير معرفوش، كنت أول مرة أشوفه، حتى الملك نفسه كان أول مرة يشوفه برضة. مكنتش فاهم قوي الحوار، بس كنت حاسس بارتياح. سألت: هو إيه الحكاية؟ مين الشاب الصغير ده اللي إيده حضنتني واحتوتني بالحنان والقوة دي؟ قالوا لي: إنت مش عارف إن الطاهر اليدين يزداد قوة؟ وإيه أقوى من خاتم الملك فرعون، وفي إيد أطهر من إيدين يوسف (تكوين٤١: ٤٢). آه.. قَدّ إيه كنت مستمتع وأنا في إيده، واتمنيت أفضل هناك علطول.
لكن آه من ذكرى يوم تاني، لقيت الملك بيخلعني من إيده وبيسلمني لأنجس إيدين، أيدين مرآته، الملكة الشريرة. قعدت أصرخ “لااااا” لكن يروح فين صوتي وسط صوت الصخّابة الجامحة ايزابل! ولقيتها بكل شراسة بتخبط راسي على ورقة بتحمل كلام كله كذب وافترا على جارنا الطيب نابوت اليزرعيلي. كاتبة إنه جدف على الله والملك، أخرجوه وارجموه حتى يموت. آه حاسس بالخجل من نفسي، وأنا بختم بحكم الموت على البار الشريف نابوت! بس غصب عني، هعمل إيه، ما أنا في إيد إيزابل الشريرة (١ملوك٢١: ٨–١١)!
يومها صبَّرت نفسي بإن «الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعًا، فَلِذلِكَ قَدِ امْتَلأَ قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ الشَّرِّ» (جامعة٨: ١١)، وإن راح البريء نابوت، لكن مش ممكن الشرير ينجو بشره. وفعلاً لَفِّت الأيام، وجِه القضاء على العمل الردي، والكلاب لحست دم أخآب زي ما لحست دم نابوت، وأكلت لحم إيزابل الشريرة المفترية.
وآه من ذكرى يوم تالت، لما نزعني الملك من إيده ولقيت نفسي في إيد العدو، هامان الردي، والملك بيقوله افعل ما يحسن في عينيك! ولقيته رزعني بكل شماتة على مرسوم موت برضه بس المرة دي مش مرسوم لفرد ولا عيلة لكن ده إهلاك وقتل وإبادة لشعب بأكمله. حاولت أفلفص من إيده بس هروح منه فين؟ ده الملك مش بس مسلمني ليه، ده مسلمه رقبته! «فَنَزَعَ ٱلْمَلِكُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ وَأَعْطَاهُ لِهَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا ٱلْأَجَاجِيِّ عَدُوِّ ٱلْيَهُودِ. فَدُعِيَ كُتَّابُ ٱلْمَلِكِ… وَكُتِبَ بِٱسْمِ ٱلْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ وَخُتِمَ بِخَاتَمِ ٱلْمَلِكِ» (أستير٣: ١٠–١٢).
لكن استنى مخلصتش القصة دي. بعدها بحوالي شهرين والملك ناسيني في إيد العدو المفتري بيعمل بي ما يحلو له، فوجئت بالملك في لحظة واحدة بيسحبني بكل غضب من يد هامان، ومرجعنيش لمكاني في يد الملك، لكن حطني في ايدين خشنة لراجل كبير وقور اسمه مردخاي. ولقيت نفسي باتنقل ما بين إيدين مردخاي وإيدين الملكة الجميلة أستير، والغريبة انهم استخدموني أختم وبكل ثقة على رسائل عكس الرسائل الأولانية اللي كان كاتبها اللي اسمه هامان ده. «وَنَزَعَ ٱلْمَلِكُ خَاتَمَهُ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنْ هَامَانَ وَأَعْطَاهُ لِمُرْدَخَايَ... فَكَتَبَ بِٱسْمِ ٱلْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ وَخَتَمَ بِخَاتِمِ ٱلْمَلِكِ، وَأَرْسَلَ رَسَائِلَ بِأَيْدِي بَرِيدِ ٱلْخَيْلِ» (أستير٨: ٢، ٨، ١٠).
ههه.. وأنا اللي كنت فاكر إن شريعة الملك وكتابته لا تُنسخ. لكن يومها اتعلمت إنه «فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا» (جامعة٥: ٨). اتعلمت إنه فيه ملك، وفيه ملك ملوك، وفيه “ملك الملوك ورب الأرباب”. وإن «قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ، حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ» (أمثال٢١: ١).
أما المرة دي فختمت مش على ورقة ولا رسالة لكن على حجر، وحجر كبير على فم جُب، جب أسود (دانيآل٦: ١٧). ويومها مكنتش أنا لوحدي اللي مغتم ومتغاظ، لكن الملك نفسه كان متغاظ جدًا، واجتهد لغروب الشمس إنه يوقف مخطط الشر اللي حاصل ضد الراجل البريء دانيآل، اللي لم توجد فيه علة ولا خطأ ولا ذنب. لكن خابت مساعي الملك. ونجحت خطة الأشرار، واترمى دانيآل في جب الأسود واتقفل الجب بالحجر واتختم بيّ أنا خاتم الملك.
والملك ليلتها مداقش لا أكل ولا نوم. وفي الصبح بدري قام جري على الجب، وهناك نادى بصوت أسيف: «يَا دَانِيآلُ عَبْدَ اللهِ الْحَيِّ، هَلْ إِلهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِمًا قَدِرَ عَلَى أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَ الأُسُودِ؟» ولدهشتنا واستعجابنا أنا والملك، لقيناه بيرد!! وبيرد يقول: «إِلهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي، لأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئًا قُدَّامَهُ، وَقُدَّامَكَ أَيْضًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَمْ أَفْعَلْ ذَنْبًا». وعلى قد ما كان قبل كده حزن الملك كبير، مشفتش الملك فرحان قد اللحظة دي. وطلع دانيآل من الجب مفيهوش ضرر لأنه آمن بإلهه. لكن مرة تاني اتدحرج الحجر المختوم والمرادي على الناس اللي اشتكوا ضد دانيآل، بس المرادي قبل ما يوصلوا لأسفل الجب كانت الأسود وصلت لعظامهم وسحقتها!
يومها اتعلمت اللي كتبه الملك نفسه بعد ما رجع من الجب ومعاه دانيآل، كتب للساكنين في الأرض كلها: إن إله دانيآل «هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَدِ، وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. هُوَ يُنَجِّي وَيُنْقِذُ وَيَعْمَلُ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ».
أما ختم المرة دي بقى فده بكل الأختام اللي فاتت. فالخصم قد ظنَّ بأنه ظفر، إذ دُفن الرب يسوع وخُتم الحجر. فخابت الآمال في ظاهر الأمر لكن رئيس الحياة قام من القبر! هللويا! يومها اتعلمت إن الله بيعرف يطلع أعظم البركات من أبشع الأحداث!
«فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: “عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَٱضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ». فَمَضَوْا وَضَبَطُوا ٱلْقَبْرَ بِٱلْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا ٱلْحَجَرَ”» (متى٢٧: ٦٥–٦٦).
وفي النهاية أقول: أيوة أنا خاتم الملك وخادم للملك. لكني شفت واتعلمت إنه «مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟» (مراثي٣: ٣٧). شفت رأيه يقوم ويفعل كل مسرته. شفته بيغير الأوقات والأزمنة. شفته بيعزل ملوك وينصّب ملوك. شفت القصد بيتغير حتى بعد إمضاء الأمر وختم الحجر، شفت الشريعة التي لا تُنسخ وهي بتُنسخ. شفت ملوك يجتمعوا ويخططوا ويدبروا، وفي النهاية كل اللي بيقدروا عليه هو إنهم يفعلوا ما سبقت فعيَّنت يد الله ومشورته أن يكون. شفت القضاء على العمل الردي بيُجرى حتى لو مش سريعًا. وإنه سهران على كلمته ليجريها. وشفته بيخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي أيضًا حلاوة. وشفت أن الله بيكرم اللي بيكرموه، واللي بيحتقروه بيصغروا.
ومن أحلى ما شفت ولسه بشوف ان: ولاده خط أحمر!