لن أنسى ذلك الوقت المميز جدًا؛ في شهر سبتمبر الماضي. كنت أشعر بحرب روحية عنيفة من عدة اتجاهات. حتى إنني لم أكن أصدَّق مهارة العدو الماكر والخبيث في توجيه ضربات قوية ومتتالية بحرفية شديدة كما رأيت في ذلك الوقت. حتى إنني لم أستطيع مجرد التفكير فيما يحدث من كثرة الضربات، وشدتها.
في ذلك اليوم وبينما أسير في إحدى الشوارع الجانبية لأقضي وقتًا في الصلاة. وجدت طفلاً صغيرًا يسير بجوار أبيه ممسكًا بيده. كان الأب مبتسمًا، هادئًا، ينظر للطفل بنظرات الحب، والتشجيع. بينما الطفل يتطلع حوله متشبثًا بيد والده. وعندما اقتربت منهما وجدت الطفل وقف فجأة في مكانه؛ ثم تطلع لعيني أبيه وقال له بدلال: “شيلني يا بابا”.
اتسعت ابتسامة الأب المحب، وانحنى برفق وحمل ابنه بين ذراعيه بكل فرحٍ، وأكملا طريقهما معًا. تطلعت إليهما فوجدت الطفل ساندًا رأسه على كتف والده، والابتسامة تُزين شفتيه الصغيرتين. ووجدتني أرفع عيني وقلبي نحو السماء وأردد في قلبي: شيلني يا بابا.
عزيزي الشاب/ أختي الشابة
ربما تندهش من بساطة القصة، لكنك حتمًا ستختبر يومًا هذا الشعور الرائع عندما يزداد الحِمل عليك، وتشعر بثقل الضغوط، وهجمات العدو الثائر؛ فترفع عينيك نحو السماء طالبًا من أبيك السماوي المحب، العظيم، الذي يُقدِّر آلامك ومتاعبك وأوجاعك، أن يحملك ويُخفف عنك ما تمر به.
اسمح لي أن أشاركك ببعض الأمور العظيمة التي يفعلها لنا الآب السماوي العظيم، حتى نُدرك معًا كم هو مُحب ورائع، ولا مثيل له:
١- يحبنا حقًا: «لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجْتُ» (يوحنا١٦: ٢٧).
٢- يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله: قال المسيح: «وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ» (متى٦: ٧، ٨).
٣- يُلبِسنا: «فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» (متى٦: ٣٠).
٤- كل ما نطلب منه باسم المسيح يعطينا: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ» (يوحنا١٦: ٢٣).
٥- محروسين بقوته: «أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ» (١بطرس١: ٣–٥).
٦- يرانا في الخفاء، ويجازينا علانية: «فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً» (متى٦: ٤).
٧- يُسر بأن يعطينا الملكوت: «لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ» (لوقا١٢: ٣٢).
٨- أهلنا، أنقذنا، نقلنا: «شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ» (كولوسي١: ١٢).
٩- يقوت الطيور والعصافير، ونحن أفضل: «اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟» (متى٦: ٢٦).
١٠- أعطانا عزاءً أبديًا ورجاءً صالحًا بالنعمة: «وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، وَاللهُ أَبُونَا الَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيًّا وَرَجَاءً صَالِحًا بِالنِّعْمَةِ، يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَل صَالِحٍ» (٢تسالونيكي٢: ١٦، ١٧).
ليس لديَّ تعليق آخر أقوله لك؛ إنما كل ما أرجوه منك أن تتأمل في الآيات التي أمامك، وتصلي بها. واثقًا أن أبيك السماوي يُحبك، ويشعر بك، ويعلم ما تحتاج إليه قبل أن تسأله، يخطط ويُدبر لك أمورك أكثر مما تتخيل.
إن كنت تعاني في هذا الوقت من ضغوط، أو متاعب، أو صدمات. فلا تتردد لحظة أن ترفع عينيك له وتهتف من كل قلبك: شيلني يا بابا.