بعد أن رنَّم أخي وصديقي سعيد في يوم روحي للشباب بإحدى القرى، مؤخَرًا، حكى هذه القصة، قال:
عندما نجحت في الصف الخامس الابتدائي اشترى لي والدي درّاجة (عَجَلَة) لكي أذهب بها إلى المدرسة الإعدادية في القرية المجاورة لقريتنا، وكذلك فعل والد صديقي إذ اشترى له درّاجة مثل درّاجتي لنذهب معًا إلى نفس المدرسة. فرحنا جدًا بالعَجل، فكان صديقي يأتي إليَّ كل صباح ويقول لي: “هيا بنا نتسابق بالدرّاجات”. فكنا نذهب معًا ونتسابق في شوارع القرية حتى يدركنا الجوع والتعب، ليعود كل واحد منا إلى بيته. وهكذا كنا نجري ونلعب بالعجل كل يوم، ولم لا؟ فالإجازة الصيفية لم تنتهِ بعد.
حتى جاء يوم لا يمكن أبدًا أن أنساه، في هذا اليوم طلبني أبي وقال لي: “يا سعيد لا تنس أن اليوم اجتماع الفتيان، فهيئ نفسك لحضوره”. بعدها جاء صديقي كعادة كل يوم وناداني قائلاً: “سعيد هات درّاجتك وهيا نتسابق”. فتذكرت وصية أبي، فقلت له: “النهارده رايح الاجتماع، بلاش نتسابق النهارده، وياريت تيجي معايا”. حزن صديقي ولم يَرُد وفضَّل أن يلعب، وقال لي وقتها إنه سيبحث عن صديق آخر ليتسابق معه.
حضرت الاجتماع، وبعد أن خرجنا سمعنا أصواتًا عالية، وهرج ومرج، وأصوات صراخ وبكاء في أنحاء القرية. وكانت المفاجأة أن صديقي مات. قالوا لي إنه وهو يقود دراجته، حاول أن يسابق “جرار” كان يمر في شوارع القرية الضيقة، وفي أحد المنحنيات لم يشاهده سائق “القلاب” كما يسمونه، فسقط صديقي من فوق عجلته و“انحشر” بين عجلات المقطورة، وكانت نهايته!!
كم حزنت جدًا وكم تمنيت أن أُلزمه بحضور الاجتماع معي.
صديقي: علمتني هذه القصة درسين هما:
أولاً: إنّ الإنسان ضعيف وهَشّ ولا شيء
لذلك يطلب النبي داود من الرب قائلاً: «عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي وَمِقْدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ، فَأَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ» (مزمور٣٩: ٤). ونفس الأمر يطلبه موسى النبي أيضًا، فيقول: «إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ» (مزمور٩٠: ١٢). أما يعقوب فيقول: «لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ» (يعقوب٤: ١٤).
ثانيًا: إنّ الحياة ركض وجري وسباق
كما كان يفعل الصديقان، لكن هناك ركض مقبول وركض غير مقبول، فالركض المقبول والسباق اليقيني المسؤول هو ركض حقيقي كما قال عنه بولس الرسول: «إذا، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ...» (١كورنثوس٩: ٢٦). هذا الركض له هدف: «أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي٣: ١٤)، وركض نهايته مجيدة ومكافأته جزيلة لذلك يقول الرسول: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا» (١كورنثوس٩: ٢٤).
أما الركض المرفوض والغير مقبول هو: عمل «إِرَادَةَ الأُمَمِ، سَالِكِينَ فِي الدَّعَارَةِ وَالشَّهَوَاتِ، وَإِدْمَانِ الْخَمْرِ، وَالْبَطَرِ، وَالْمُنَادَمَاتِ، وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ الْمُحَرَّمَةِ،
الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ يَسْتَغْرِبُونَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَرْكُضُونَ مَعَهُمْ إِلَى فَيْضِ هذِهِ الْخَلاَعَةِ عَيْنِهَا، مُجَدِّفِينَ
. الَّذِينَ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا لِلَّذِي هُوَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَات» (١بطرس٤: ٣-٥). وإن كنا نتعاطف بل ونشفق على الصغير الذي فضَّل اللعب عن حضور الاجتماع، فماذا نقول على الكبار الذين يُقال عنهم «أَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ» (يوحنا٣: ١٩)؟ وعمن أحبوا النجاسة ورفضوا القداسة؟ بل «الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ» (رومية١: ٢٥)؟
صديقي وصديقتي الغاليين:
الحياة قصيرة جدًا كالبخار وكالأشبار؛ فدعونا نحياها لمن أحبنا ومات لأجلنا. ودعونا نركض الركض الصحيح لمجد المسيح، فما أجمل اسطفانوس الشهيد الأول في المسيحية الذي خدم، وشهد، بل وركض حتى رقد!