أصدقائي قراء مجلتنا الغالية – نحو الهدف – نعلم جميعًا، بل ونتابع يوميًا فيروس كورونا الذي أصاب العالم كله هذه الأيام بالذعر، والخوف الشديد؛ لأنه كان وما يزال سببًا في موت مئات الآلاف من البشر حول العالم. أكتب لكم اليوم وقد وصل عدد المصابين أكثر من مليون شخص حول العالم في شهور قليلة. مما يدعو للذعر والهلع!
لأول مرة – بحسب معرفتي – في كل التاريخ نرى العالم كله يتحرك في اتجاه واحد. الجميع خائفون، متحيرون، وفي غاية القلق! فيروس لا يُرى بالعين المجرَّدة جعل العالم كله في رعب حقيقي. الجميع – حتى هذه اللحظة – لا يجدون حلاً أو علاجًا يُنقذ الإنسان من هذا الفيروس متناهِ الصغر.
الغريب في الأمر أن الفيروس انتشر في العالم كله في وقت قصير جدًا، كما أنه أصاب جميع البشر؛ الكبير والصغير، الغني والفقير، الأبيض والأسمر، الرجل والمرأة، العلماء والبسطاء، المثقفون وعديمي العلم. أصاب الملوك والأمراء في قصورهم المُحاطة بكل وسائل الأمن والحماية، كما أصاب رجل الشارع البسيط الذي لا يجد قوت يومه. ومنذ عدة أيام أعلنت منظمة الصحة العالمية تصنيف فيروس كوفيد–١٩ والمعروف باسم كورونا أنه وباء جائح أي لا يمكن السيطرة عليه!
أمام كل هذه الحقائق المذهلة يجب أن نتوقف مفكِّرين، ومتابعين. ولا بد لنا أن نتعلم شيئًا مما يحدث. وإليكم أحبائي الشباب بعضًا من الدروس التي أراها واضحة وجلية من هذا الحدث الجلل:
١- هشاشية الإنسان
ربما كنا نسمع عن ضعف الإنسان وهشاشيته كثيرًا في الفرص الكرازية، والاجتماعات الروحية. لكننا لم نكن نصدق أن الإنسان بهذا الضعف، والهشاشية التي لا تُصدَّق. ربما كنا نصدق ذلك على المساكين والفقراء؛ أما أولئك الذين يعيشون في الدول المتقدمة، ويتحكمون في كل شيء بأحدث الأجهزة والامكانيات، فقد كنا متشككين في ضعفهم وهشاشيتهم. فجاء وباء كورونا ليثبت لنا أن كل كلمة قالها الكتاب المقدس عن ضعف الإنسان كانت صحيحة تمامًا. يكفينا أن نقرأ ما قاله الروح القدس لنا وقت أن خلق الله الإنسان لنعرف أننا حفنة من التراب «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تكوين٢: ٧). فما الذي نحتاجه أكثر من ذلك لنعرف أننا ضعفاء جدًا؟
٢- الخوف يزلزل الكيان
الخوف يبدو في كل العيون، صار الناس يخافون من الخروج خارج منازلهم، يخافون من الاقتراب من بعضهم البعض، يخافون من مصافحة الأيدي. يخافون من أقرب الناس إليهم. انتشر الخوف في كل مكان. خاف الإنسان عندما شعر بالموت يقترب منه. الإنسان الذي كان يسخر من الموت، ويهزأ ممن يؤمنون بالله، بل ويهاجم الله بكل عنف وشراسة على صفحات التواصل الاجتماعي؛ صار خائفًا، مرتعبًا، مختبئًا في غرفته الخاصة، إذ شعر أن الموت صار قريبًا منه جدًا.
ليت الإنسان يتعلم الدرس جيدًا، ويدرك أنه مسكين جدًا وضعيف جدًا أمام حقيقة الموت. وإن كان يعيش بدون رجاء أبدي فهو بائس، ويعيش في تعاسة حقيقية. ليته يدرك أن الله هو الملجأ، والطريق الوحيد للنجاة من هول الدينونة، وخوف الموت. لقد اختبرت البشرية جميعًا ما أعلنه بولس في رسالته إلى رومية «إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ... حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ» (رومية١: ١٩–٢٢).
٣- شيء من نهاية الزمان
رأينا في هذه الأحداث الصعبة، والمخيفة جدًا شيئًا من أحداث نهاية الزمان التي تكلم عنها الكتاب المقدس، والتي ستحدث بعد اختطاف المؤمنين. رأينا العالم كله ينهار في أيام معدودة، تابعنا جميعًا وقوف الإنسان عاجزًا، وانهيار الاقتصاد في الدول العظمى. رأينا رؤساء العالم مرتعبون، وليس لديهم ما يفعلونه أمام ما يحدث في العالم. رأينا العالم كله بلا استثناء يُتابع كل الأحداث بالتفصيل. شاهدنا ما تفعله الأوبئة في العالم. لا نُبالغ إن قلنا إننا رأينا لمحة صغيرة وبسيطة جدًا من الضيقة التي تكلم عنها الرب يسوع والتي ستقع أحداثها بعد الاختطاف. «وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ، وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ» (لوقا٢١: ١١).
٤- درسًا لأهل الإيمان
للمؤمنين دروسًا كثيرة جدًا في هذه الأحداث الاستثنائية التي نمر بها جميعًا في هذه الأيام. لقد توقَّفت الحياة تمامًا. لا اجتماعات، ولا خدمات، ولا لقاءات. العلاج الوحيد الذي يُنادي به العالم أجمع أن يمكث الإنسان في بيته، ولا يخرج منه إلا للضرورة القصوى. وفرضت بعض الحكومات حظر التجوال بعض أو كل يوم. فتوقفت الحياة تمامًا.
ألا نتعلم من هذا الأمر درسًا؟ لقد تعلمت في هذه الأحداث الكثير من الدروس لكنني أعتبر أن أهم هذه الدروس على الإطلاق أن الله أراد أن يلفت انتباهنا أن كل شيء قد يتوقف في لحظة، لتبقى العلاقة معه هي الأهم، والأبقى. حتى النشاطات الروحية، والخدمات العظيمة، والسفر حول العالم هنا وهناك. كل هذا قد يتوقف في لحظات. وتبقى علاقتنا الشخصية مع الله هي المستمرة. فمن اعتاد على الشركة، والعلاقة اليومية المستمرة مع الله وجدها فرصة ذهبية للاستمتاع بشركة أعمق، وعلاقة أكبر مع الله. ومن لم يعتَد على ذلك لم يحتمل الجلوس في البيت. وصار متحيرًا، مضغوطًا، مضطربًا مما يحدث.
عزيزي، عزيزتي
الله يريدك أنت، يريد قلبك. يشتاق لجلسة هادئة معك. لديه حديث طويل لك. ويعلم أنك تحتاج للحديث معه. لذلك رتَّب لك فرصة ذهبية للجلوس أمامه، واللهج في كلمته المقدسة، ومراجعة حساباتك أمامه. اسمعه يقول لنا جميعًا: «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلاً» (مرقس٦: ٣١). فهل أدركنا حاجتنا له، وللمكوث أمامه، للتوبة، والتعلم، والفهم، والاستنارة؟