الحظر الصحي


مع بدء الإعلان رسميًا عن فيروس الكورونا في ٣١ ديسمبر ٢٠١٩ بالصين، تعالت مبادرات إعلامية بالبقاء في البيت للحد من انتشار العدوى، ومع تفاقم الأزمة وقبيل نهاية مارس ٢٠٢٠ أعلنت أكثر من ٢٢ دولة فرض “حظر” التجوال بالشوارع.

وللوهلة الأولى، حينما تُفكِّر في كلمة “حظر” ينتابك شعور بتقييد الإرادة، ولكن حينما تعيد التفكير تجد أن كل من خضع للحظر قَلّت نسبة تعرُّضه للعدوى. ومن هنا جاء العنوان “الحظر الصحي”. ولعلك لاحظت الدول التي لم تلتزم كم تكلفت من ارتفاع في حالات الوفيات، حتى صرَّحت ممرّضة تعمل في مستشفى ميلان الإيطالية “أصبحنا عاجزين عن عَدِّ الموتى...”، فعدد كبير من الضحايا كان بإمكانهم تجنب الخطر لو خضعوا للحظر ومكثوا في البيت! ولكن هو هو الإنسان، ولن يتغير، منذ بدء الخليقة ودائمًا ما يُظهر فشله في الخضوع للقوانين ويكسر الحظر ويدفع الثمن.

تعال معي لنتأمل أول حظر صحي في تاريخ البشرية وهو في جنة عدن حيث «وَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ» (تكوين٢: ٨-٩). وأعطاه الله وصية مزدوجة أن يأكل من جميع شجر الجنة الموصوفة بأنها «شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأكْلِ»، وألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فكان حظر الرب صحيًّا للغاية ليجنِّب الإنسان الموت. ولكن الإنسان، صاحب الإرادة، قرَّر كسر الحظر، وسقط في المحظور. فرأت المرأة أن الشجرة الممنوعة، مع كونها جيدة للأكل وشهية للعيون، كوصف الرب، إلا أنها أضافت كونها باعثة للفهم (بحسب ترجمة داربي)؛ فأكلت وأعطت رجلها.

فأي فهم هذا الذي جنياه من الوقوع في المحظور!! إنه الموت.

ولا تستغرب فعلهم؛ لو كنا مكانهم لفعلنا مثلهم. وأزمة كورونا أوضحت أننا مثل أبوينا، نرى في كسر القانون فهم وحكمة تحت مسمى الحرية، وبدل من أن نستخدم إرادتنا في المكوث في البيت، كسرنا الحظر فتّم فينا قول الكتاب «وَلَكِنَّهُمْ كَآدَمَ تَعَدَّوُا» (هوشع٦: ٧).

ولعل ما قالته الممرضة من عدم القدرة على عد الموتى يصوِّر، ولو قليلاً، ما فعلته الخطية «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية٥: ١٢).

وعلى مَرّ التاريخ يحصد الموت، ولكن في هذه الازمة رأينا بعيون دامعة جنازات جماعية حتى وصل الأمر لمرحلة أنه لا توجد توابيت للموتى!!

ونأتي سريعًا إلى الحظر الثاني؛ فبعد طرد الإنسان من الجنة وضع الرب الكروبيم - ملائكة القضاء - في طريق شجرة الحياة لئلا يأكل منها ويحيا إلى الأبد، وكان مع الكروبيم لهيب سيف متقلب (تكوين٣: ٢٤).

ولكن بالرغم من صعوبة المشهد إلا أن الله في المشهد فهو «إِلَهُ خَلاَصٍ، وَعِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ» (مزمور٦٨: ٢٠) فهل من مخرج لجنس كسر المحظور؟

نعم! ففي الجنة، أوجد السيد مخرجًا في الذبيحة التي قدمها «وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ ... أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا» (تكوين٣: ٢١).

ربما تقول لي: هذا حلٌ لأبوينا فقط، فكيف تقول: إنه للجنس البشري؟

سؤال منطقي، فقد كانت الذبيحة الأولى، ومثلها باقي الذبائح، ما هي إلا صورة لذبيحة أعظم؛ هي ذبيحة ربنا يسوع على الصليب، حيث قضى ثلاث ساعات ظلمة رهيبة محظورًا من الشركة مع الله، يصرخ وحيدًا «إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متى٢٧: ٤٦). حيث الديان العادل استدعى لهيب السيف المتقلّب ليجتاز في نفس النائب والبديل عن جنس البشر بجملته «لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ» (عبرانيين٢: ٩).

يا صديقي لقد كسر آدم الحظر الصحي ونحن مثله، وصرنا جميعًا تحت حكم “الحظر الأبدي” منفصلين في بحيرة النار والظلمة الأبدية، ولكن أتى ربنا يسوع ليفك حظرنا الأبدي وليس مجانًا، بل تَكّلف صليب اللعّنة والعار، وأسلم للموت نفسه «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية٦: ٢٣)، فاتحًا لنا طريق الأقداس، بل أعطانا ثقة الدخول ولم يَعُد الطريق إلى شجرة الحياة محظورًا، كما كان، بل وعد بفمه: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ» (رؤيا٢: ٧).

بقي توضيح إن كان المسيح مات فلماذا الموت الآن يحصد؟

إن الوقوع في الخطية أوقعنا في ثلاثة أنواع من الموت: الانفصال عن الله أدبيًا هنا على الأرض، وأبديًا هناك إلى الأبد نعاني حظرًا بلا رجاء، والثالث هو انفصال الروح عن الجسد لحظة انتهاء العمر. ولقد كان موت المسيح النيابي لعلاج الثلاثة.

فالذي يؤمن «فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ» (يوحنا٥: ٢٤)؛ وهذا علاج الأبدي.

أما الأدبي «وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ» (أفسس٢: ٥)، وهذا نلناه أيضًا.

أما الأخير، وهو الجسدي، لم ننَله بعد، وما زالت أجسادنا خاضعة للضعف والمرض والأوبئة كالكورونا وغيرها، ولنا وعد «مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا» (رومية٨: ٢٣)، وهذا في لحظة الاختطاف عند مجيء الرب إلينا من السماء.

قبل أن أتركك، لا تنسى أننا - وبإرادتنا كآدم - كسرنا الحظر فحَصَدنا الموت، ولكن الله في نعمته يجاهد مع إرادتنا ليقنعها بحاجتها للخلاص؛ فهل تقبله بالإيمان لتهرب من حظر أبدي وتنعم بشركة وسلام من الآن معه؟

أخيرًا انظر للأحداث وكن حكيمًا، ولا تتجاهل صوت الرب، وتعال إليه واثقًا بكل قلبك في عمله، فهو مات من أجلك.

مايكل موسى