أُصيبَ العالم كله بحالة من الذعر والخوف والإرتباك بسبب فيروس كورونا الذي ظهر في الصين الشهور القليلة الماضية، وأدى إلى وفاة العديد من الناس؛ مما جعل وزارات الصحة في كل أنحاء العالم ترفع درجة الاستعداد إلى الدرجة القصوى، ومنظمة الصحة العالمية تطلق نداءات تحذيرية وهذه النداءات تتلخص في ثلاثة أشياء:
١- خطورة الاختلاط والتجمعات.
٢- لبس الكمامات الواقية.
٣- الاعتناء الشديد بالنظافة الشخصية ولا سيما غسل الأيدي.
ولنتأمل في هذه الأشياء الثلاث وخلفيتها الكتابية.
أولاً: التحذير من الاختلاط
الاختلاط والتجمعات هي البيئة المساعدة لانتشار الفيروسات، حتى أن الدول التي انتشر فيها هذا الفيروس أصدرت قرارًا بتعطيل الدراسة في المدارس بل ومنعت الذهاب إلى الكنائس لأن التجمعات بمثل هذه الأعداد تساعد بطريقة مباشرة على انتشار الفيروسات بسرعة.
وهذا يذكرنا بما أوصى به الكتاب المقدس في بعض الأسفار مثلاً في سفر العدد قائلاً «إِذَا مَاتَ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةٍ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْخَيْمَةَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْخَيْمَةِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ» (عدد١٩: ١٤). هنا نجد مجموعة الناس في خيمة واحدة ومات أحد أفرادها فجأة؛ فيتنجس كل من في الخيمة وكأنه يشبه هذا الإنسان بمريض بفيروس كورونا وعطس فجأة فانتشر الرزاز لكل من حوله، وكانت النتيجة إصابتهم بالعدوى. وفي هذا نرى خطورة الاختلاط بالأشرار الذين هم في نظر الله أمواتـًا بالذنوب والخطايا (أفسس٢: ١). فالإنسان البعيد عن الله هو ميت، والميت بحسب الشريعة نجس. وهذا ما يقوله الكتاب أيضـًا في رسالة الرسول بولس الثانية إلى كنيسة كورنثوس «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟» (٢كورنثوس٦: ١٤-١٦).
أيصـًا في سفر الأمثال والأصحاح الثاني والعشرون: «لاَ تَسْتَصْحِبْ غَضُوبًا، وَمَعَ رَجُل سَاخِطٍ لاَ تَجِيءْ، لِئَلاَّ تَأْلَفَ طُرُقَهُ، وَتَأْخُذَ شَرَكًا إِلَى نَفْسِكَ» (أمثال٢٢: ٢٤-٢٥). نلاحظ هنا “لئلا تألف طرقه” وفيها يوضح الكتاب خطورة التأثير السلبي.
أيضـًا في رسالة كورنثوس الأولى «لاَ تَضِلُّوا: فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (١كورنثوس١٥: ٣٣) وهنا نغمة التحذير تعلو، فكلما زادت العلاقة ووصلت إلى درجة المعاشرات تكون النتيجة الفساد، أو بمعنى أصح الإفساد، لا محالة. وكأن العلاقة تتناسب طرديـًا مع النتائج.
ثانيـًا: لبس الكمامات
قُلْتُ: «أَتَحَفَّظُ لِسَبِيلِي مِنَ الْخَطَإِ بِلِسَانِي. أَحْفَظُ لِفَمِي كِمَامَةً فِيمَا الشِّرِّيرُ مُقَابِلِي» (مزمور٣٩).
المرنم هنا يصف المشهد بطريقة تصويرية بديعة لأن المزامير كُتِبَت بلغة الشعر، فيصف الشرير (وهو الشيطان) وكأنه شخص يحمل فيروس كورونا ويقف مقابله ويعطس فينتقل الرزاز الملوث إليه. وهنا يطلب من الرب أن يحفظ فمه بكمامة روحية. فالكمامة تمنع دخول الفيروسات من الوسط المحيط بنا ونحن نعلم أنه منذ دخول الخطية إلى العالم أمسى العالم ملوثـًا، وهذا ما عبَّر عنه الكتاب أيـضـًا مُحذرًا عندما قال في سفر العدد «وَكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِدَادٌ بِعِصَابَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ» (عدد١٩: ١٥). والإناء إشارة للإنسان كما قال الرب عن شاول الطرسوسي هذا لي إناء مختار (أعمال٩: ١٥). فالإناء المفتوح صورة للإنسان الذي يتعامل مع العالم دون وضع حدود للتعاملات ولا يلبس الكمامة فتدخل الفيروسات إلى جهازه التنفسي ويصاب بالعدوى مثل شمشون وداود ولوط وديماس... إلخ. يقول الكتاب في سفر نشيد الأنشاد: «أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ» (نشيد٤: ١٢) وهنا نرى الإنفصال الكامل عن كل أجواء الشر المحيطة بنا.
والكمامة هي القناع الواقي الذي يلبسه الجندي في المعركة لكي تقيه من الغازات السامة ومن البيئة المحيطة الملوثة وهي مثل الحرشف الذي يحمي الأسماك (لاويين١١: ٩)، لكي يحفظها من تلوث المياه. فالعالم من حولنا تقذف مياهه حمأة وطينـًا وكما وصفه الكتاب في رسالة يوحنا الرسول الأولى «نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ» (١يوحنا٥: ١٩).
ثالثـًا: الاعتناء بالنظافة الشخصية
في سفر الخروج يوصي الرب موسى بأن يوصي هارون وبنيه بغسل أياديهم وأرجلهم لئلا يموتوا «يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا» (خروج٣٠: ٢١). وهنا الخطورة أن ندخل أقداس الرب بأيادٍ ملوثة ونقدم للرب تقدمات ونظن أنه يُسَرُّ بها ولكن هنا الرب يوصي موسى مُحَذِّرًا قائلاً لئلا يموتوا. ففيروس الخطية مميت وأخطر من فيروس الكورونا.
وفي سفر إشعياء: «اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ» (إشعياء١: ١٦).
والاغتسال هنا بكلمة الله التي تنقينا كما قال الرسول بولس عن الكنيسة في رسالة أفسس «لكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ» (أفسس٥: ٢٦). ويقول أيضـًا الرب يسوع عن التنقية بالكلمة «أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ» (يوحنا١٥: ٣). فالمادة الوحيدة التي تنقينا وتغسلنا من فيروسات العالم هي كلمة الله لأنها نقية وحية وفعالة.
عزيزي القارئ احترس من فيروس الخطية المميت، ولا تختلط بالشر والأشرار، والبس الكمامة الروحية للوقاية، واغتسل بكلمة الله للتنقية والتطهير. والرب معك.