يمر العالم كله بجائحة كورونا، فانتشار فيروس كورونا وصل لدرجة وباء اجتاح العالم كله، وكانت نتيجة ذلك شعار من منظمة الصحة العالمية “#خليك_في_البيت”. وكأنّ كورونا حكم على العالم كله بالسجن لأَجَـلٍ غير مسمّى، تحت الإقامة الجبرية، حتى وسائل المواصلات من سفن وطائرات توقفت، وأصبح العالم كله في سجن كورونا!!
ولكي نتعلم دروسـًا من سجن كورونا تعالوا بنا نتعلم من شخصية الرسول بولس وهو في سجون روما كيف كان يتصرف؟
لقد سُـِجنَ الرسول بولس في ٣ سجون تابعة للإمبراطورية الرومانية، وهي بحسب ترتيبها الزمني: سجن فيلبي (أعمال١٦)، سجن قيصرية (أعمال٢٤-٢٦)، سجن روما (أعمال٢٨).
ولنقترب لنتعرف على ما حدث معه في كل سجن
سجن فيلبي
أول سجن دخله (أعمال١٦: ٢٥-٢٦). وفيلبي كانت مقاطعة رومانية. في هذا السجن كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما.
ونحن الآن في سجن كورونا ليس أمامنا سوى الصلاة والتسبيح لله؛ فإذا كانت الكنائس قد أُغلقت كإجراء احترازي خوفـًا من العدوى، فهذا لا يمنعنا من الصلاة والتسبيح للهٍ.
رغم الآلام المُبرحة والإهانة؛ تحوَّل سجن فيلبي إلى قاعة مؤتمرات للصلاة والتسبيح. ومن خلال الصلاة والتسبيح لبولس وسيلا في سجن فيلبي نجد أربع نتائج مباركة هي كالآتي:
النتيجة الأولى كان المسجونون يسمعونهما
المساجين الذين كانوا ينامون ويستيقظون على صوت السياط وعويل المسجونين وصياح الجلادين، ها هم الآن ولأول مرة يستيقظون في نصف الليل على صوت هتاف وتسبيح. يا للفرحة ويا للدهشة!
وهنا سؤال لكل قارئ أمين في علاقته بالرب: ماذا يسمع جيرانك المسجونون مثلك في سجن كورونا؟ صوت الصلاة والتسبيح أم صوت التذمر والأنين والصراخ؟
اذكر أنهم “نفسهم يسمعوا حاجة تبل ريقهم”.
النتيجة الثانية تزعزعت أساسات السجن
فقوة صلاتهم وتسبيحهم كانا أقوى من أساسات السجن الروماني المتين. صلاتنا وتسبيحنا لهما تأثير قوي على الناس في سجون الخوف والشر والإلحاد والخطية، وسجن الكورونا، ليتنا نصلي لأجلهم.
النتيجة الثالثة انفتحت في الحال الأبواب
الأبواب الـُمـَغـَّـلـقة الـُمـَقـَّـفلة تفتَّحت، وعندما نرنم ونسبح تنفتح القلوب المغلقة أمام كلمة الرب التي تغير الحياة بالكامل.
النتيجة الرابعة انفكـَّت قيود الجميع
على الفور انفكت هذه القيود وأصبح المقيدين أحرارًا. يا لعمل النعمة العظيم في فك القيود!! فمجرد ترنيمة بالروح القدس تكون سببـًا في فك كثيرين من قيود الشر والخطية والإباحية، ويستطيع كلٍ منهم أن يهتف “حررني يسوع” متمتعًا بالقول الحلو «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا٨: ٣٦). وأيضـًا ما جاء عن الرب «لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي... لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ» (إشعياء٦١: ١).
وأخيرًا خرج بولس وسيلا بصيد كبير من هذا السجن، فقد تعاملت نعمة الله مع السجان هو وأهل بيته «وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللهِ» (أعمال١٦: ٣٤).
عزيزي القارئ صلاتك وترنيماتك لها قوة تحرير عظيمة فهي لا تحرر الخطاة العاديين فقط بل أعتى المجرمين مثل السجان الذي تهلل مع جميع بيته.
سجن قيصرية
سُـِجن بولس في هذا السجن الاحتياطي لمدة سنتين رهن التحقيق (أعمال٢٤: ٢٧)، وفيه تقابل مع ٣ شخصيات من الحكام الرومان الأشرار، وكانت أمامهم فرصة ذهبية لسماع كلمة الله على فم أعظم مبشر، ولكنهم لم يستفيدوا من نعمة الله المقدمة:
فيلكس الوالي: الذي كان يستدعي بولس مرارًا ليعطيه رشوة، صورة لمن باع أبديته لأجل المال. ولكن بولس كلَّمه عن البر والتعفف والدينونة، لدرجة أن فيلكس أرتعب ولكن قال له: اذهب ومتى حصلت على وقت أستدعيك. وللأسف لم يذكر الكتاب أن فيلكس حصل على فرصة أخرى، وذهب إلى أبديته التعيسة بسبب حب المال!!
عزيزي الشاب عزيزتي الشابة والذين يبحثون عن المال أنه كل أمانيهم، ها نحن قد رأينا نهاية فيلكس المأسوية كما تقول الترنيمة القديمة الجميلة:
لا ينفعك المال كلا ولا الجمال...تتغير الأحوال لما يسوع ييجي
فستوس الوالي: أيضـًا سمع من الرسول بولس ولكنه لم يعطِ لكلامه اهتمامـًا بل كان رد فعله ينم عن استهتار واستهانة بكلام الله «أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ!» (أعمال ٢٦: ٢٤). وهذا الحاكم الشرير كان يريد أن يرضي اليهود ويحقِّق لهم رغبتهم بقتل بولس لكي يحافظ على منصبه، لولا أن بولس رفع دعواه إلى قيصر روما.
وهنا نجد شخصية تفقد أبديتها لأجل المنصب؛ وكم من أناس يفقدون أبديتهم لأجل تعظُّم المعيشة والمناصب.
الملك أغريباس: جاء ليهنئ فستوس على المنصب الجديد هو وبرنيكي امرأته، وسمع من بولس أثناء مرافعته عن اختباره وكيف تقابل مع الرب يسوع وتغيرت حياته. وقد كان هذا الرجل يؤمن بالأنبياء وعندما وجه له بولس سؤالاً شخصيـًا أجاب بسؤال استنكاري ينم عن الرفض قائلاً بتهكم: «بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا» (أعمال٢٦: ٢٨). ففاجأه بولس بالقول: «كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى اللهِ أَنَّهُ بِقَلِيل وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي الْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلاَ هذِهِ الْقُيُودَ» (أعمال٢٦: ٢٩). ولكن بكل أسف لم ينتظر هذا الملك الشرير أن يكمل بولس الكلام معه بل قام وانصرف.
تقابل مع بولس دون ترتيب مسبق ولم يكن بولس في مقاطعته أو من رعاياه، ولكنه قام وانصرف من قدام أعظم مبشر، ولم يذكر التاريخ أيضـًأ إنه تقابل مع الرب يسوع. عزيزي القارئ، ربما تكون هذه المجلة وقعت بين يديك بمحض الصدفة، ولكنها بكل تأكيد ليست صدفة، بل الرب رتب أن تقرأها لتعيد حسابات في أبديتك.
من فضلك لا تنصرف مثل أغريباس، ولا تتهكم مثل فستوس، ولاتؤجل مثل فيلكس؛ بل تعال للرب يسوع الآن.
سجن روما
في هذا السجن كتب بولس أربع رسائل تسمى رسائل السجن وهي بحسب ترتيبها في العهد الجديد:
رسالة أفسس: كتبها ليُعـِّرف المؤمنين مقامهم الجديد، وامتياز التبني والاختيار قبل تأسيس العالم، ومجد النعمة وغناها، وكيف يسلكون كما يحق للدعوة التي دُعوا إليها. لتكن هذه رسالتنا أيها الأحباء.
رسالة فيلبي: وهي رسالة الفرح رغم صعوبات الطريق ورحلة البرية، وشعاره المسيح حياتنا ومثالنا وغرضنا وقوتنا. هل نشد من إزر إخوتنا ونشجعهم: «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا» (فيلبي٤: ٤).
رسالة كولوسي: كتبها ضد البدع والهرطقات الغنوسية والخرافات اليهودية لتصحيح مفاهيم لدى المؤمنين، وهذا دورنا في هذه الأيام، فما أكثر التعاليم المضللة.
رسالة فليمون: الذي قال له بولس فيها والكنيسة التي في بيتك. وهي أيضـًا رسالة الذوق المسيحي الرفيع والعالي.
عزيزي المؤمن ما هي رسالتك إلى إخوتك وأنت في سجن كورونا؟