مع انتشار وباء الكورونا بصورة سريعة وخطيرة في كل دول العالم، بحث الجميع عن دواء وحل حقيقي للحد من هذا الداء. كان واحد من أهم نصائح منظمة الصحة العالمية (WHO) هو: “العزل التام” بين الدول، وبين المدن داخل الدولة الواحدة. مما أدى إلى عزلة تامة على كل المستويات، حيث توقفت حركة الطيران، وأغلب وسائل النقل بين البلدان، كما لجئت الأسر بتطبيق مبدأ العزل بإرادتهم أو بتوجيهات حكوماتهم، وتغيرت صورة العالم ما بين ليلة وضحاها وأصبح الكل منغلقًا، بعد أن كان العالم منفتحًا كقرية صغيرة تتحرك فيه وقتما، وأينما، شئت دون أي قيود.
أثناء معايشتي لهذه الظروف الاستثنائية من الانعزال والانفراد، تأملت قليلاً في واحدة من أشهر معجزات المسيح وهي معجزة: “المشي على الماء”، فوجدت فيها مشابهة كبيرة لما هو حادث من خوف، وظلام، وصراخ، وعدم وضوح الرؤية وسط أمواج بحر العالم المضطرب. بدأت أحداث تلك المعجزة المثيرة بالقول «وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ. وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ. لأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً»، ونلاحظ هنا إلزام المسيح للتلاميذ بالدخول للسفينة، تمامًا كإلزام الكثيرين بالعزلة المنزلية وسط اضطراب العالم بسبب خطورة فيروس كورونا وانتشار الوباء في كل البقاع، مع اختلاف جوهري بين واحد وآخر، وهو وجود شخص الرب يسوع في المشهد، في سفينة الحياة. لذلك دعونا نركز في بعض الأفكار حول شخص المسيح المريح والقادر على تغيير المشهد، بالرغم من صعوبته وقسوته من خلال تلك المعجزة (متى١٤: ٢٢-٣٦).
١- المسيح رجل الجمهور الفريد
كان الرب يسوع المسيح متاحًا لفئات المجتمع المختلفة، فهو متاح للرجال كنيقوديموس (يوحنا٣)، ويايرس (مرقس٥) وغيرهم، كما أنه أيضًا متاح للنساء كالسامرية (يوحنا٤)، والنازفة (لوقا٨)، وغيرهن الكثير. حتى الأطفال لهم في قلبه ووقته مكان، فقال: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ» (لوقا١٨: ١٦)، كذلك لديه وقت للأشرار والخطاة كاللص التائب (لوقا٢٣)، وللأعداء كملخُس (لوقا٢٢).
لقد كان المسيح دائمًا محاطًا بجموع كثيرة، لكن قليلون هم الذين تلامسوا معه واختبروه. حتى في يومنا هذا، هناك الملايين يعرفون عنه لكن لا يعرفونه شخصيًا. لذا دعني أسئلك يا عزيزي أين تقف من المسيح، هل وسط الجمع الغفير حوله، أم أن لك علاقة شخصية وحقيقية معه؟
٢- المسيح يصلي بالتأكيد
واحدة من أجمل عادات المسيح كالإنسان الكامل هي: الصلاة، فقد قيل عنه بروح النبوة: «أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ» (مزمور١٠٩: ٤). لقد شكر قبل إشباع الجموع فبارك (متى١٤)، وصلى قبيل الصليب عند مواجهة الآلام (لوقا٢٢). وصلى عند إقامة لعاز لمجد لله (يوحنا١١).
يعلمنا الكتاب المقدس عن بعض رجال للصلاة كنحميا الذي صلى في القصر، ويونان الذي صلى في جوف الحوت، ودانيآل في بيته، وبولس وسيلا في السجن، واستفانوس عند رجمه وغيرهم الكثيرين. ليتنا نحرص على الصلاة فهي الوسيلة التي تحرك السماء لصالحنا. «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (لوقا١٨: ١).
٣-المسيح قريب وليس ببعيد
أحيانًا يبدو الرب وكأنه بعيد، ونتشكك قائلين: «يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟» (مزمور١٠: ١). لكن ثق يا صديقي؛ فهو حكيم وأمين، يمشي متمهلاً، لكنه لا يأتي متأخرًا أبدًا. ثق حبيبي أن الشمس خلف الغيمة، فالله متسلط في مملكة الناس، وهو صانع الأحداث، وليس مشاهدًا لها.
أنت مش بعيد عنا هناك
|
| أو لوحدك في سماك
|
أنت حي في وسطنا
|
| سور حماية من الهلاك
|
٤- المسيح فوق الماء المحيط
البحر المضطرب صورة للعالم وتقلباته. ولما كانت الأمواج شديدة، والسفينة معذبة، والتلاميذ يصرخون بسبب الخوف ووحشة الليل، وقد ظهر مدى عجز الإنسان وقلة حيلته، جاء المسيح ماشيًا فوق الماء؛ إنه الرب القادر على كل شيء «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ الله» (لوقا١٨: ٢٧)؛ فهو «الْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا» (أفسس٣: ٢٠). وهذه الحقيقة تملأ القلب بالطمان والسلام.
٥- المسيح فيه كل ما أريد
لقد شعر بهم وتجاوب مع خوفهم بل ولبى طلبتهم، إذ سمح لبطرس أن يأتي إليه ماشيًا على الماء، لقد عالج خوفهم، بمجرد جملة قالها لهم «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا». وكأنه يريد أن يذكِّرهم بالمواعيد والامتيازات التي لهم في شخصه الكريم؛ فهو الذي قال عن نفسه إنه: نور العالم (أمام ظلمات طريق الحياة)، خبز الحياة (أمام الجوع الذي يقدمه العالم بكل ملذاته)، الراعي الصالح (أمام متاهات الحياة)، ينبوع الماء الحي (أمام فراغ وعطش العالم)، الحق (أمام ضلال العالم)، الطريق (أمام تعوجات طرق العالم)، الحياة (أمام موت العالم).
عزيزي، هل تجد شبعك في شخص المسيح، والمسيح وحده، أم أنك تبحث عن آبار مشققة لا تضبط ماء؟!
فيك لي يا سيدي كل الكفاية... فيك ما أرجو وأكثر... أنت للنعماء مصدر
٦- المسيح المنقذ الوحيد
«لَمَّا ابْتَدَأَ بطرس يَغْرَقُ، صَرَخَ قِائِلاً: يَا رَبُّ، نَجِّنِي! فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ،». لقد أنقذ الرجل من الغرق، كما نجا امرأة من الرجم (التي أمسكت في ذات الفعل)، وأنقذ الطفلة من الموت (ابنة يايرس)، وأنقذ الجموع من الجوع (الخمسة الآلاف)، فالمسيح هو المنقذ الوحيد مهما اختلفت الأعمار، والظروف، والتحديات.
صديقي: قد تكون على وشك الغرق ماديًا، أو روحيًا، أو أسريًا، فثق أن: «الرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ» (مزمور١٤٥: ١٨). إنه ما زال يمد يد العون والإنقاذ لك، فهل تدعوه بكل قلبك ليتدخل في كل ظروف حياتك وتحدياتك؟!
مسكة إيدك علمتني أعلى فوق كل السدود
٧- المسيح يسكت الريح الشديد
ليهج البحر، ولتشتد الرياح، لكني أرنم في سلام: ما دمت في سفينتي ربي أنا مرتاح.
فدعونا نحول أنظارنا ونثبتها فقط على شخص المسيح المريح مرنمين:
ليك سلطان تهدي الريح ويا البحر
ليك سلطان تعوض بدل الخزي فخر
ليك سلطان من قلب الكسر تخلق نصر
ليك سلطان تفجر في قلب الصحرا نهر