“قُل لي من أصدقائك أقول لك من أنت.” هذا القول المأثور حقيقي - عزيزي القارئ - فالصداقة والأصدقاء في حياتنا أمر في منتهى الأهمية؛ فإننا نتأثر بالمقربين منا جدًا، سواء إيجابيًا أو سلبيًا. فهناك أصدقاء كانوا سبب بركة لأصدقائهم كما تقول كلمة الله «اَلْمُسَايِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيمًا» أيضًا «الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ (يصقل) وَجْهَ صَاحِبِهِ» (أمثال٢٧: ١٧)، وأيضًا هناك أصدقاء كانوا سبب كدر وضرر في حياة بعضهم كما يقول الكتاب «وَرَفِيقُ الْجُهَّالِ يُضَرُّ» (أمثال١٣: ٢٠). فهيا بنا نتجول في أسفار كلمة الله الغنية بالدروس النافعة، لنرى كيف كانت للعلاقات بين الأصدقاء تأثير كبير في حياتهم.
صداقة جلبت الخزي الموت
ترد أحداث القصة التي أود الإشارة إليها في سفر ٢صموئيل١٣ (يمكنك الرجوع إليها)، وهي باختصار شديد تخبرنا عن أمنون ابن الملك داود، كان له صديق يدعى يوناداب - ابن عم أمنون - وكان أمنون يحب أخته ثامار - من أم أخرى - فوصل به الحب لدرجة المرض.
فلما رأى يوناداب على صديقه أمنون علامات الوهن والضعف واضحة نتيجة حبه لاخته، أشار عليه أن يتظاهر أنه مريض ويطلب من الملك داود أن تأتي ثامار أخته لتصنع له طعامًا في منزله لأنه مريض. وقد وافق الملك بالفعل، فأتت ثامار بنية حسنة لمساعدة أخيها، ولكنه كان سيء القصد وقام باغتصابها وبعدها طردها من البيت. وعندما علم أخوها أبشالوم بالأمر سكت ولم يتكلم وقتها، لكن بعد فترة دَبَّر لقتل أمنون وبالفعل قتله!!
يا للآسف فنتيجة مشورة حمقاء شريرة من صديق شرير مثل يوناداب عَجلَّت بنهاية حياة أمنون وبخزي عائلته. بالرغم من أن الكتاب وصف يوناداب بأنه رَجُل حَكِيم جِدًّا (إنسانيًا) لكن حكمته ومشورته كانت شريرة ومُضرة. فاحذر يا صديقي من حكمة أصدقائك هل هي تقودك لطاعة الله أم عصيانه؟ هل يشجعك أصدقاؤك على ما هو نافع ومفيد لك أم يقودونك في طرق الخزي والسقوط؟
صداقة جلبت البركة والنجاح
كما يوجد من أثر في حياة أصدقاؤه سلبيًا، سنرى الآن أصدقاء كانوا سبب بركة في حياة بعضهم البعض. في دانيآل١ نقرأ عن السبي الذي وقع على مملكة يهوذا، وعن الفتيان الذين تم سبيهم لمملكة بابل. ويخبرنا الوحي عن أربعة فتيان هم دانيآل وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا. هؤلاء الفتيان باتوا في تحديات كبيرة، كل شيء حولهم هو جديد بالنسبة لهم: ثقافة، حياة، لغة، مجتمع. ورغم كل التحديات صمموا أن يطيعوا وصايا الله (دانيآل١: ٨-١٦). فقد صمم لهم الملك برنامج خاص «فَيُعَلِّمُوهُمْ كِتَابَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلِسَانَهُمْ. وَعَيَّنَ لَهُمُ الْمَلِكُ وَظِيفَةً كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ وَمِنْ خَمْرِ مَشْرُوبِهِ لِتَرْبِيَتِهِمْ ثَلاَثَ سِنِينَ، وَعِنْدَ نِهَايَتِهَا يَقِفُونَ أَمَامَ الْمَلِكِ». وعندما بدأت حياتهم في مملكة بابل وجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة هي أن النظام الذي أسسه الملك يحتوي على أشياء تخالف الشريعة التي نشأوا عليها في بلادهم. ماذا فعلوا؟ هل خنعوا وأطاعوا الملك وعصوا الله؟ والإجابة كما نعرف من باقي القصة هي لا، فتقدم دانيآل بشجاعة وقوة مُتحدثًا عن نفسه وأصدقائه، وطلب من رئيس الخصيان أن يعطيهم البقول بدل أطايب الملك وخمر مشروبه، ويجربهم عشرة أيام. فسمع له رئيس الخصيان وبعد عشرة أيام كان منظرهم أفضل من باقي الفتيان.
وتحديات أخرى واجهت دانيآل ورفاقه لا مجال لذكرها كلها هنا، أشجعك على قراءتها في سفر دانيآل في أصحاحات ٢، ٣، ٦، ولكنهم معًا كانوا سبب بركة وتشجيع بعضهم لبعض، وقفوا في وجه أتون النار وجب الأسود صامدين، مُشجعين بعضهم على طاعة الله وطاعة وشريعته، ولسان حالهم «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال٥: ٢٩).
عزيزي
ماذا عن أصدقائك المقرَّبين منك، هل أنت سبب بركة لهم؟ وهم سبب بركة لك؟ أرجو أن يكون المقربون منك يدفعونك للأمام في طريقك النجاح وطاعة الله، وفي طريق الخير. واعلم أنك ستجني ثمر كل صداقة؛ فإن اخترت المعاشرات الرديئة فستحصد فساد لأخلاقك الجيدة (١كورنثوس١٥: ٣٣)، وإن اخترت أصدقاء السوء فاعلم قول الكتاب «اَلذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ الْعَطَّارِ» (جامعة١٠: ١)، ستخسر سمعتك الطيبة وشهادتك كمؤمن، مثل لوط الذي عاش وسط الأشرار وكان بلا تأثير. وربما تخسر نجاحك الدراسي أو حتى حياتك مثل أمنون.
صديقك الحقيقي من يحبك بالحق يوبخك عندما يراك تستمر في خطئك فـ«أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ» (أمثال٢٧: ٦). إنه يشاركك في أوقات الحزن والفرح، ويقبل تميزك واختلافك عنه، ولا يفشي سرك، ويضحي لأجلك، ويشجعك عندما تخور قواك، يقف بجوارك عندما يهجرك الآخرين، يفرح لخيرك ونجاحك.
أخيرًا أرجو منك أن تفحص قائمة أصدقائك وتحافظ على نوعية دانيآل ورفاقه وتنمي تلك العلاقات البناءة، وتقطع كل علاقة مثل يوناداب يأتي بك للوراء وتقودك في الظلام والفشل والخسارة.