أهلاً بك صديقي، سبق وأن قُدمَ على صفحات “نحو الهدف” مقدمات للعديد من أسفار الكتاب المقدس تحت عنوان “سفر مفتوح” وسوف نستكملها بمعونة الرب تحت هذا العنوان “جَمِيعْ الكُتُبْ”.
نبدأ هذه السلسلة الجديدة بمقدمة لأسفار موسى الخمسة، التي تُسمى كذلك نسبةً إلى كاتبها موسى، وتسمى “أسفار الشريعة” أو “التوراة” نسبةً إلى طبيعة محتواها التشريعي والتعليمي. باليونانية (حسب الترجمة السبعينية) تسمى “ بنتاتش” أي الدروج الخمسة وبالعبرية تسمى “تناخ”.
الكاتب
موسى بحسب خروج ١٧: ١٤؛ تثنية ٣١: ٩، ٢٤؛ لذا يقول الكتاب أحيانًا «ناموس موسى» أو «شريعة موسى» أو «توراة موسى». وقد أثبتت الاكتشافات بطلان الادعاء أن الكتابة لم تكن معروفة وقت موسى.
تُغطي هذه الأسفار حقبة زمنية طويلة تُقدر بـ٢٦٠٠ سنة، من بداية الخليقة (تكوين١) حتى وصول شعب إسرائيل لمشارف أرض كنعان وموت موسى (تثنية ٣٤) ١٤٠٠ ق.م تقريبًا. واستغرقت كتابتها حوالي ٤٠ سنة.
الموضوع الرئيسي
تمثل هذه الأسفار الأساس لكل قصة الكتاب المقدس: قصة خلاص الله للبشر من الخطية وتتميم مقاصده الأزلية. في أسفار موسى الخمسة نرى دخول الخطية وكيف ملكت، وبداية ظهور الخلاص متمثلاً في الذبيحة.
في سفر التكوين نرى خلق الإنسان، ثم سقوطه في الخطية، ونتائج الخطية، والعلاج الإلهي لها في الذبيحة. ثم نرى بداية تكوين شعب لله متمثلاً في إبراهيم ونسله. وينتهي هذا السفر بهذا الشعب في أرض مصر وبالمخلص – يوسف – الذي مات في مصر.
ثم يبدأ سفر الخروج بهذا الشعب مستعبدًا في مصر، يصرخ إلى الله الذي ينزل ليخلصهم ويفديهم بدم الذبيحة (خروف الفصح)، ليس فقط لينجيهم من العبودية ويحررهم من الانتساب لمصر (التي تشير إلى العالم في الكتاب المقدس)، بل أيضًا ليكونوا له شعبًا مقدسًا يستمتعون بسكنى الرب في وسطهم (خيمة الاجتماع).
ثم سفر اللاويين الذي يتحدث عن امتياز هذا الشعب بأنه له شركة مع الرب إلهه، وكيف يجب أن يكون في حالة القداسة اللائقة بهذه العلاقة؟
بعد ذلك يأتي سفر العدد، سفر الارتحال، حيث يُرى شعب الرب راحلاً في البرية صوب أرض الميعاد، وفي البرية يظهر فشل الإنسان وأمانة الله.
ثم سفر التثنية الذي نرى فيه الشعب على مشارف أرض الموعد، حيث يُذكِّر موسى رجل الله الشعب بما قاله الرب لهم حتى يمتلكوا الأرض التي وعدهم الرب بها.
في التكوين نرى حكمة الله وسلطانه، وفي الخروج نرى قوة الله، وفي اللاويين نرى قداسة الله، وفي العدد نرى لطف وصرامة الله، وفي التثنية نرى أمانة الله. في التكوين، الأقنوم الأبرز هو الآب، وفي الخروج الابن، وفي اللاويين الروح القدس. في العدد يظهر الإنسان وفي التثنية يظهر أن الله مع الإنسان.
أهمية هذه الأسفار
كأي جزء من الكتاب، هي قادرة أن تُحَكِّم الإنسان للخلاص بالإيمان بيسوع المسيح، ونافعة للتعليم والتوبيخ والتقييم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح (٢تيموثاوس٣: ١٤-١٦).
هذه الأسفار تتحدث عن طريقة الخلاص من الخطية بصورة رمزية جميلة متمثلة في الذبيحة. التكوين يحدثنا أن عقوبة الخطية هي الموت (تكوين ٣) لكن الله هو الذي دبر الذبيحة التي تموت نيابةً عن الإنسان. الذبيحة هي أساس الخلاص (التكوين والخروج)، وهي أساس العلاقة مع الله (اللاويين)، والضامن لاستمرار هذه العلاقة (العدد).
هذه الأسفار مليئة بالرموز الجميلة عن المسيح وذبيحته؛ بدءًا من مذبح هابيل (تك٤) مرورًا بفلك نوح (تكوين ٦) ثم المحرقة التي قُدِمت عوضًا عن إسحق (تكوين٢٢)، وخروف الفصح (خروج ١٢)، وخيمة الاجتماع المليئة بالإشارات لكمال وأمجاد شخص المسيح (خروج ٢٥–٤٠)، والذبائح الدموية (المحرقة والخطية والإثم والسلامة) وتقدمة قربان الدقيق المذكورة في الأصحاحات الأولى من اللاويين، والصخرة التي شرب منها الشعب، والمن الذي أكلوه.
أما الشخصيات الرئيسية في هذه الأسفار فنرى فيها تجسيدًا لأفكار الله ومعاملاته؛ ففي إبراهيم نرى “الاختيار والدعوة” وفي إسحق نرى “البنوة والميراث”، في يعقوب نرى “الوعد والنعمة” وفي يوسف نرى “الآلام والأمجاد”. شعب إسرائيل يمثِّل شعب الله، وأرض الميعاد تمثل البركات التي من نصيب شعب الرب. وفي كلمة واحدة، فإن التكوين يتحدث عن السقوط، والخروج عن الفداء، واللاويين عن الشركة، والعدد عن الرحلة، والتثنية عن النهاية.
قد يسأل واحد، وما الداعي لكل هذه الأحداث والشخصيات والرموز المدونة في العهد القديم، نحن كمسحيين نحتاج إلى العهد الجديد فقط حيث نرى المسيح والصليب والكنيسة والسماء بصورة واضحة ومباشرة؟
وللرد على هذا أقول، العهد القديم يقودنا ويقنعنا بحاجتنا للمسيح، كما أنه يرسم أبعادًا في شخص المسيح وعمله لا غنى عنها لكل من يريد أن يكون في علاقة صحيحة مع الله. وتذكر، مع أنه “ليس كل الكتاب عنا لكن كل الكتاب لنا”. حرض الرب شعب على حفظ الشريعة وعدم الحيدان عنها واللهج بها (يشوع ١: ٦-٨)، وهذا يجب أن يكون موقفنا نحن أيضًا منها.
النعمة معك