نعرف جميعًا أن الإشاعة هي أكاذيب قد لا نعرف مصدرها، تنتشر بسرعة ويُصدِّقها بعض الناس. وبمرور الوقت تبدو أنها حقيقة. من أشهر الإشاعات التي ظهرت في كلمة الله؛ الإشاعة التي أطلقها رؤوساء الكهنة بعد قيامة الرب يسوع من بين الأموات. يقول الكتاب عن هذه القصة: «وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ. فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ» (متى٢٨: ١١–١٥)!!
ودعني عزيزي القارئ أضع بين يديك واحدة من أهم الإشاعات التي يُطلقها الشيطان دائمًا، مستخدمًا بعض تابعيه، ومستغلاً جهل البعض الآخر في نشر هذه الأكاذيب، حتى صارت بمثابة حقائق نتعامل معها ونصدقها في الكثير من الأحيان. ولأن مصدرها الشيطان فإنها تصيب إصابات خطيرة، تؤثر بصورة مباشرة على علاقتنا بالله. على أن نستكمل في العدد القادم حديثنا في ذات الموضوع، وسنتناول إشاعة أخرى مؤذية جدًا لنا.
هو غاضب الآن، لا تقترب منه!
من الأفكار المغلوطة، والإشاعات المُغرضة التي أطلقها الشيطان، والتي تسبب ضررًا كبيرًا لنا في علاقتنا بالله. الصورة الذهنية المرسومة لدينا بأننا عندما نسقط في الخطية، فإن الله يكون غاضبًا، عنيفًا، لا يقبلنا، ويرفض التعامل معنا. بل ولا أبالغ إن قلت: إن الكثيرين منا يشعرون بأن الله يشعر بالاشمئزاز منهم بسبب السقوط. وفي الحقيقة هي صورة مغلوطة تمامًا عن الله، الهدف منها إبعادك عنه بأية طريقة؛ هذه الصورة الكاذبة تجعلك مختفيًا، هاربًا، متحاشيًا العودة لعلاقتك بالله من جديد.
أما الحقيقة التي يجب علينا أن نعرفها ونؤمن بها أن الله يحزن بسبب سقوطنا، هذا الحزن نشعر به بالروح القدس الساكن فينا. وهنا يحدث اللغط، وتحدث بعض الارتباك بسبب ترجمة هذا الحزن الذي نشعر به ترجمة خاطئة؛ فما أن يحزن الروح القدس بسبب سقوطنا في الخطية، يبدأ الشيطان في بث سمومه، وأفكارة الخبيثة المدمرة مؤكدًا لنا أن الله غاضب جدًا، ومصدوم فينا، وغير قابل للنقاش في هذه اللحظات. وربما يُقنعنا بهذه الصورة من خلال استدعاء صورًا، ومشاهد وأحداث رأيناها في حياتنا تؤكد هذا الأمر من خلال أب غاضب، أو أم ثائرة، أو قائد فقد أعصابه يومًا لما أخطأنا. فيكون من السهل جدًا أن نقتنع بهذه الصورة، ونصدقها بلا تفكير. فهذا العدو الماكر يمتلك قدرة عجيبة على اقتحام أذهاننا في مثل هذه الأوقات التي نكون نشعر فيها بالفشل، والاحباط.
لكن أيضًا سقوطنا، وشعورنا بالفشل يجعلنا نحكم على الأمر من وجهة نظرنا نحن، ونحكم على أنفسنا بحسب مفهومنا الخاص، متصورين الصورة ذاتها التي بثها الشيطان في أذهاننا بأن الله غاضب جدًا، وفي قمة رفضه لنا، ولا يقبل أن يرانا أمامه. وليتنا نموت أو على الأقل نهرب من أمامه الآن. وبالطبع نحن نعلم جيدًا نتيجة هذا الشعور بمرور الوقت.
أما عن حقيقة الأمر فإننا لا بد أن نُدرك أن الحزن الذي يحزنه الروح القدس فينا هدفه الوحيد تبكيتنا للتوبة، والرجوع إلى الله؛ فلا نفقد الكثير من الوقت ونحن بعيدين عنه. إرادة الروح القدس لنا أن يُعالج ما حدث بسبب سقوطنا، لا أن يزيد ألمنا وجروحنا بسبب السقوط. لذلك فإن أعظم شيء نفعله في ذلك الوقت أن نسقط بين يدي الله بتوبة حقيقية ورجوع صادق. فنختبر محبته، ومعونته. ونعود من جديد للعلاقة الحية معه دون خسائر كبيرة.
أرى في رد الرب لنفس بطرس مثالاً واضحًا وصريحًا على ما نقول؛ يمكننا القول بأن بطرس صدَّق هذه الإشاعة الشيطانية، وشعر في نفسه بشيء من الفشل والإحباط بعد أن أنكر المسيح رغم تحذير المسيح له قبل الانكار بساعات قليلة. فقال بطرس وهو في قمة الفشل والشعور باليأس: «أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ» (يوحنا٢١: ٣). تاركًا، وناسيًا كل ما اختبره ورآه في الثلاث سنوات التي عاشها مع المسيح. هذا هو ما يحدث معنا عندما نصدق أكاذيب الشيطان. لكن ما يؤكد ويبرهن بالدليل القاطع أن الأمر ليس كما يشيع الشيطان. فإننا في ذات الاصحاح نقرأ أروع قصة لرد النفس؛ ذهب المسيح بنفسه لبطرس عند بحيرة طبرية، وقبلها أرسل له رسالة خاصة مع مريم التي التقت به فور قيامته عند القبر؛ مؤكدًا له أنه ليس غاضبًا، ولا مشمئزًا منه. إنما هو يبحث عنه لكي يعيده إلى أحضانه مستخدمًا إياه بقوة أكبر، وأعظم من كل ما سبق.
القارئ العزيز؛
لا تصدق أكاذيب الشيطان، ولا تدعه يمتلك ذهنك بأفكاره الخبيثة المدمرة. في لحظة سقوطك ثق أن الله في انتظارك، ويشتاق جدًا أن يأخذك في أحضانه. لتعلن توبتك، ومحبتك، وخضوعك له من جديد.
وإلى لقاء قادم بمشيئة الرب