أهلاً بك يا صديقي في رحلتنا التي نتوقف فيها عند مقدمات لأسفار الكتاب المقدس. وفي هذا العدد نتوقف قليلاً عند سفر التكوين.
لأن الإشارة الأولى دائماً هامة، فدراسة سفر التكوين لازمة لفهم الكتاب.
سفر التكوين هو سفر البدايات، بداية الخليقة (ص١)، بداية الإنسان والعائلة (ص ١، ٢)، بداية الخطية وظهور العلاج الإلهي في الذبيحة (ص٣)، بداية المدنية والعالم (ص٤)، بداية الموت (ص٥)، بداية الدينونة (ص٦)، بداية الشعوب (ص١٠)، بداية اللغات (ص١١)، بداية شعب الله (من إصحاح ١٢). لذا يُسمى أيضاً «مخزن بذار الكتاب المقدس». وفي الأصل العبري اسمه «في البدء».
كاتب سفر التكوين: هو موسى وكتبه تقريباً سنة ١٤٤٠ ق.م. ويغطي فترة زمنية تقدَّر بـ٢٣٦٠ سنة من بداية الخليقة إلى موت يوسف.
أقسام السفر: ينقسم التكوين إلى جزئين كبيرين، الأول من ص ١-١١، وهو قسم البدايات. والثاني قسم الآباء من ص ١٢-٥٠. في الجزء الأول نرى أربعة أحداث هامة هي: الخلق والسقوط والطوفان وبلبلة الألسنة. وفي الجزء الثاني نرى أربع شخصيات هامة هي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف.
ولأن الكتاب المقدس هو قصة خلاص الله للبشر لذا فسفر التكوين يضع ملامح رئيسية لقصة الخلاص. فهو يتحدث عن سقوط الإنسان ودخول الخطية التي بها دخل الموت واجتاز الموت إلى جميع الناس (رومية ٥: ١٢)، ويؤكد على عجز الإنسان عن خلاص نفسه فلم تفلح مآزر أوراق التين التي خاطها آدم وحواء لأنفسهما أن تسترهما، وأعلن الله أن الحل من عنده متمثلاً في الذبيحة، عندما صنع لهما أقمصة من جلد وألبسهما. هنا نُفذ حكم الموت، والموت بدلي، والبديل بريء!
ثم في قصة قايين وهابيل، يؤكد الله أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة. ثم تأتي قصة تقديم إبراهيم لابنه إسحاق لتؤكد أن الله ينظر إلى إنسان يجب أن يموت نيابةً عن الإنسان. ولكن إسحاق لم يُقدَّم على المذبح؛ ليس فقط لأن الأمر كان امتحانًا لإيمان إبراهيم، وقد نجح فيه لكن أيضًا لكي يعلن الله أنه هو الذي سيدبر الذبيحة والفادي، لذا جعل إبراهيم اسم ذلك الموضع «يهوه يرأه» أي الرب سيوفر.
أليس هذا عين ما تم في الصليب؟! «الله الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين» (رومية٨: ٣٢). ليس فقط الاحتياج للخلاص ووسيلة الخلاص. لكن أيضاً غرض الخلاص. فبعد أن قام – في صورة رمزية – إسحاق من الموت، نجده يرتبط برفقة (تكوين٢٤). وهي صورة جميلة لارتباط المسيح والكنيسة. ولأن هذا المشروع كان في قصد الله قبل السقوط بل قبل تأسيس العالم؛ لذا فإننا نجد أول إشارة له قبل السقوط في الخطية، وذلك في ص ٢ عندما أوقع الرب الإله سباتًا على آدم وأخذ واحدة من أضلاعه وصنع منها امرأة وأحضرها إلى آدم، وهي صورة جميلة لارتباط المسيح بالكنيسة.
وفي الشخصيات الرئيسية في سفر التكوين نرى الخط العام لمقاصد الله ومعاملاته مع المؤمنين، ففي إبراهيم نرى الاختيار والدعوة، وفي إسحاق نرى البنوة والميراث، وفي يعقوب نرى التأديب والبركة، وفي يوسف نرى الآلام والأمجاد.
لذا ليس غريباً أن نجد هذا السفر مليء بشخصيات تشير إلى الرب يسوع المسيح مثل آدم وإسحاق ويوسف أو رموز مثل دم هابيل وفلك نوح.
ونظرًا لأن الشيطان يعرف أهمية سفر التكوين؛ لذا فهو يأخذ نصيباً وافرًا من هجومه، وبالأخص على الأصحاحات الأولى. لأن الشيطان يعرف أنه إذا جعل هذا الكلام بلا معنى واضح في أذهان الناس أو شككهم في مصداقيته، فسيكون من السهل عليه أن يشككهم في أي جزء آخر في الكتاب. أتتذكر يا صديقي أول ما سُجِل عن الشيطان في كلمة الله؟! قالت الحية لحواء: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ؟» (تكوين٣: ١). قال الشيطان هذة العبارة في جنة عدن منذ ٤٠٠٠ سنة أو أكثر قليلاً، واليوم يقول الشيطان – وبالأسف مستخدمًا أحيانًا بعض المسيحيين – أحقاً آدم شخصية حقيقية؟ أحقاً تلقى موسى وحياً من الله أم أنه كتب من مصادر عنده؟ أحقاً كان هناك طوفانًا عالميًا أم فيضانًا محليًا؟ وواجبنا يا صديقي أن نواجهه بكلمة الله الصادقة، الأمر الذي فشلت فيه حواء فحصلت في التعدي!
وأخيرًا أقول: لأن الكتاب المقدس وحدة واحدة، فما نجد بدايته في التكوين نرى نهايته أو تتميمه في الرؤيا. في التكوين بداية الخطية واللعنة، وفي الرؤيا «وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا ٢٢: ٣). في التكوين بداية الموت وفي الرؤيا «وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا ٢١: ٤). في التكوين يبدأ الشيطان عمله مع الإنسان، وفي الرؤيا يٌقيَد ألف سنة ثم يُطرَح في البحيرة المتقدة بنار وكبريت. في التكوين نرى الفردوس المفقود، وفي الرؤيا نرى الفردوس الموعود. في التكوين نرى شجرة الحياة، وفي الرؤيا نعرف من هو شجرة الحياة. التكوين يبدأ بالإنسان مطرودًا من الجنة والرؤيا ينتهي بالإنسان ساكنًا مع الله!
ما أسعدنا بكلمة الله!