كان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا (أعمال٩: ١٠)، وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا (أعمال٩: ٣٦)، الأول قام بخدمة، والثانية استخدمت إبرة.
فليس من الضروري أن تكون غنيًا كيوسف الرامي (متى٢٧: ٥٧)، أو صاحب مواهب فذة كبولس، أو فصيحًا مقتدرًا كأبلوس (أعمال١٨: ٢٤)، لكي تكون تلميذًا للمسيح، لكن يمكنك أن تكون تلميذًا للمسيح كما أنت، فلا تُقاس الخدمة بحجمها بل بصدقها وكيفيتها، فتلميذ دمشق خدم خدمة واحدة، لكن يا لها من خدمة إذ استخدمه الرب مع شاول الذي أصبح بولس رسول الأمم. كذلك طابيثا لم تكن غنية أو ثرية، بل كان كل ما لديها إبرة استخدمتها لصناعة ملابس وسدت احتياجًا لكثيرين في بلدتها. وقبل أن نلقي الضوء على خدمتها هنا سؤال هام يفرض نفسه وهو:
كيف ألتحق بمدرسة الله؟
لكي يدخل التلميذ المدرسة لا بد من شهادة الميلاد، هكذا في مدرسة الله، ولكن لأن البشر جميعًا ضلوا من البطن (مزمور٥٨: ٣)، بل «وكجحش الفرا (الحمار الوحشي) يولد الإنسان» (أيوب١١: ١٢)، ولأن ملكوت الله ومدرسته الراقية لا يدخلها الضالين ذوي الطبيعة الوحشية لذا لزم الأمر إلى ولادة ثانية، كما قال الرب لنيقوديموس (يوحنا٣: ٣)، لقد تمتعت طابيثا بهذا الامتياز، وصارت تلميذة في مدرسة المسيح.
صفات التلميذة:
(١) طهارة التلميذة: كان اسمها طابيثا الذي ترجمته «غزالة» وهي من الحيوانات الطاهرة، وهنا نرى الطهارة في عالم الإثم والنجاسة (١يوحنا١: ٧). وما أحوجنا في هذا الزمن الرديء إلى تلاميذ يتمتعون بالطهارة. والحكمة التي من الله هي أولاً: طاهرة (يعقوب٣: ١٧). و«من يصعد إلى جبل الرب؟ ومن يقوم في موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقي القلب الذي لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذبًا، يحمل بركة من عند الرب، وبرًا من إله خلاصه» (مزمور٢٤: ٣-٥).
(٢) جمال التلميذة: كانت طابيثا من يافا التي تعني جمالاً، فمن جمال العالم المزيف خرج جمالاً إلهيًا، لقد وصف الرب الفريسيين بأنهم يشبهون قبور مبيضة تظهر من الخارج جميلة وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة (متى٢٣: ٢٧). لكن كم هي عظيمة نعمة الله التي تخرج من «الآكل أكل ومن الجافي حلاوة» (قضاة١٤: ١٤)، ويحلو للوحي أن يمتدح طابيثا ويسجل قصتها لأن: «الحسن غش والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تُمدح» (أمثال٣١: ٣٠).
(٣) ثمر التلميذة: رأى المسيح تينة ولم يجد فيها ثمرا بل ورقًا، أما تلميذتنا فهي ممتلئة بالثمر الصالح والنافع وخاصة للمحتاجين والأرامل (أعمال٩: ٣٦)، وحققت شرطًا هامًا من شروط التلمذة الحقيقية وهو: «بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي» (يوحنا١٥: ٨).
(٤) تجربة التلميذة: كانت طابيثا تلميذة نافعة على الرغم من وحدتها، وفقرها، ومرضها، وتممت المكتوب: «اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ» (يعقوب١: ٢)، فلقد كان الرب يسوع بلا خطية، لكنه كان مجرَّبًا في كل شيء مثلنا. وهكذا تجاوزت طابيثا تجربتها وتغلبت عليها بخدمتها ومحبتها فصار الجميع يحبونها ويقدرونها.
(٥) غلاوة التلميذة: لتلميذ المسيح غلاوة خاصة عند الرب وعند القديسين، فعندما رآى مريم تبكي على لعازر «بكى يسوع»، لأنه: «عَزِيزٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِه» (مزمور١١٦: ١٥). ومن غلاوتها عليهم عندما ماتت غَسَّلُوهَا، لكنهم لم يدفنوها، بل فِي عِلِّيَّةٍ وَضَعُوهَا، وكان لديهم من الإيمان ما يكفي لإقامتها.
(٦) موت التلميذة: «وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ. فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى الْعِلِّيَّةِ فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَابًا مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ... فجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا قُومِي»». لقد أحبوها لأنها نافعة وكأنهم يقولون: «إن أم مثل هذه التلميذة لا يجب أن يموت».
(٧) أخلاق التلميذة: «فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ» لاشك أننا نلتمس العذر لها إن ظلت في سريرها، فهي لم تقم من النوم، بل من الموت، لكن أخلاقها لم تسمح لها أن ترى رجلا كبطرس وتظل في فراشها لذلك قامت وجلست فيا للذوق (لاويين١٩: ٣٢)!
لقد كانت طابيثا مثمرة في حياتها، ومؤثرة عند موتها، وبركة عند إقامتها «فَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِالرَّبِّ». مما جعل الرسول يمكث أَيَّاماً كَثِيرَةً معلنا بداية فرصة للشهادة والكرازة.
ليتنا نلتحق بهذه المدرسة، فهكذا تكون التلمذة.