تكلمنا في العدد السابق عن الخلاص في مدينة الملجأ، ورأينا أنه كان في قصد الله الأزلي وأتمه المسيح في ملء الزمان بموته على الصليب وصار مقدمًا لجميع الناس بطريقة لا تحتاج معها لأي مجهود أو تكلفة، بل هو خلاص بالنعمة، وما على الإنسان إلا أن يأتي معترفًا بخطاياه ومؤمنًا بقلبه فينال الخلاص الكامل.
وفي عددنا هذا سنرى الرب يسوع المسيح روح النبوة، ومحور الكتاب المقدس وغرض كل نبواته ورموزه. سنرى المسيح هو:
١- الملجأ ٢- الباب
٣- القتيل ٤ – ولي الدم
«وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ. حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ» (عدد٣٥: ١٩).
«لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ ضَارِبُ نَفْسٍ سَهْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَتَكُونَ لَكُمْ مَلْجَأً مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ. فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هذِهِ الْمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ وَيَتَكَلَّمُ بِدَعْوَاهُ» (يشوع٢٠: ٣-٤).
١– المسيح الملجأ:
الكثير من رجال الله كتبوا واختبروا أن الرب ملجأ للجميع في كل الظروف؛ فكتب رجل الله موسى «الإِلهُ الْقَدِيمُ مَلْجَأٌ، وَالأَذْرُعُ الأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْت» (تثنية٣٣: ٢٧). قال هذا وهو يبارك بني إسرائيل قبل أن يدخلوا أرض كنعان. وكأنه يقول: الإله الذي كان معنا في القديم هو الملجأ أمام ما سيلاقيكم في المستقبل. سيحملكم إلى أن تطأوا مرتفعات الأعداء وتسكنوا آمنين. وكتب بني قورح «اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ... مَلْجَأُنَا إِلهُ يَعْقُوبَ» (مزمور٤٦: ١، ٧، ١١). ففي الخارج يمكن للأرض أن تتزحزح وللجبال أن تنقلب... وفي الداخل يعترينا الضعف ونكون كيعقوب. لكن ملجأنا وقوتنا في الرب، ليس كإله ابراهيم أبو المؤمنين، بل إله يعقوب الضعيف. هذا هو أماننا وسلامنا نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع أمامنا، الذي هو لنا كمرثاة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا (عبرانيين٦: ١٨–٢٠). فالمسيح الملجأ الوحيد لكل من يخاف من الخطية وعقوبتها، وللمؤمن في زمن الضيق.
٢– المسيح هو الباب:
«فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هذِهِ الْمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ» (يشوع٢٠: ٤). كان لمدينة الملجأ باب واحد يدخل منه الهارب من ولي الدم. كما كان لفلك نوح باب واحد لدخول كل الهاربين من الطوفان. ولخيمة الإجتماع باب واحد لدخول مقدمي الذبائح لنوال الغفران أو لتقديم العبادة. ومدينة الملجأ أو الفلك أو الخيمة والهيكل، كلها رموز للرب يسوع المسيح الذي قال عن نفسه «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (يوحنا١٠: ٩). فالمسيح هو الباب الوحيد والطريق الوحيد لكل من يريد التقابل مع الله الآب «قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا١٤: ٦). والطريق الوحيد لنوال المسامحة والغفران لكل خطايا الماضي، والتمتع ببركات الحماية والضمان للحاضر والمستقبل.
٣– المسيح هو القتيل
تكلم الرب كثيرًا مع تلاميذه عن موته وقتله «مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (متى١٦: ٢١). وقد تم هذا في الصليب. وشهد بطرس لليهود بهذا قائلاً: «وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ» (أعمال٣: ١٥). وهنا العجب! قتيل وهو رئيس الحياة، ومن له وحده عدم الموت، هو مُعطي الحياة وضامنها. وحكم الشريعة يقول «إِنَّمَا كُلُّ إِنْسَانٍ يُقْتَلُ بِخَطِيَّتِهِ» (٢ملوك١٤: ٦). وشريعة مدن الملجأ تقول «إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ، وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ. حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ» (عدد٣٥: ١٨، ١٩). لماذا يُقتل وهو البار الذي لم يعرف خطية؟ ذاك الذي جاء ليخلص الناس من إبليس القتّال للناس من البدء (يوحنا٨: ٤٤). الإجابة: قَبَل المسيح أن يذوق الموت لأجلنا، ليعطينا الحياة الأبدية.
٤– المسيح هو ولي الدم
يذكر لقب ولي الدم ١٢ مرة في شريعة مدن الملجأ، فمن هو وما هو عمله؟ في العصور القديمة كان إذا قتل إنسان آخر أو تعدى عليه وألحق به ظلمًا، يصبح لأقرب إنسان للقتيل الحق في أن يقتل القاتل كما تنص الشريعة «إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَل،ُ وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ. حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ» (عدد٣٥: ١٨). وبعد أن رأينا أن المسيح هو القتيل فمن هو ولي الدم الذي سينتقم من القاتل؟ نقول إنه هو المسيح أيضًا. وهذا ما يذكره الكتاب المقدس. فاقرأ معي هذه النبوات «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ... لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ (وهذا ما تم في مجيء المسيح الأول الذي انتهى بصلبه وقتله) وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا (وهذا ما سيجريه في مجيئه الثاني)». أيضًا نقرأ قول الرب «أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ (هنا موت الرب يسوع على الصليب)... قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي... وَمِنَ الشُّعُوبِ َدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي... (يوم دينونة المسيح للخطاة كولي الدم)» (إشعياء٦١: ١–٢؛ ٦٣: ١–٤).
صديقي القارئ: في العدد القادم سنتعرف على القاتل، لكن أتكلم معك الآن إن كنت خائفًا من الموت وما بعده من عقاب؛ اهرب الآن للمسيح طالبًا الحماية والنجاة، فهو الوحيد القادر على هذا لأنه حمل في الصليب كل خطاياك واحتمل كل دينونتها. اهرب إليه في يوم النعمة، الآن، قبل أن يأتي يوم الانتقام ومن يستطيع الوقوف؟